تحدثنا أمس عن ضرورة استخلاص الدروس المستفادة من الفترة الفاصلة بين الثورتين, الأولي التي قادها الضباط الأحرار في مثل هذا اليوم عام1952 ثم ساندها الشعب, والثانية التي اندلعت في25 يناير2011 ويحميها الجيش حتي تصل لتحقيق أهدافها كاملة. وقلنا إن القوي العالمية والإقليمية التابعة لها تنظر دائما إلي مصر الثورة باعتبارها خطرا علي مصالحها الاستراتيجية وقد عملت بكل الوسائل علي إجهاض أحلام عبدالناصر في الوحدة العربية إلي أن وجهت له الضربة القاصمة في الحرب الغادرة عام1967, وبعدها استطاعت مصر استرداد أرضها وكرامتها في الحرب المجيدة عام1973 التي شهدت العبور العظيم وقدم فيها الجيش المصري من البطولات ما أذهل العالم أجمع, وأكد للجميع أن للمصريين قوة وبأسا يحسب لهما ألف حساب. ولم تفلح معاهدة السلام التي وقعها السادات في تخفيف مخاوف هذه القوي العالمية والإقليمية ورأت أن تستمر المعاناة علي الرغم من إقرار برنامج للمساعدات الاقتصادية يثار الجدل حول تفاصيله, في حين توقفت الدول العربية عن هذا العدم سنوات المقاطعة إلي حين عادت العلاقات مع تولي مبارك الحكم. وسوف تكشف الفترة القادمة إلي أي مدي جرت عملية الثأر من مصر عقابا علي فترة عبدالناصر وإطلاق الشعارات القومية وإيقاظ الشعور العربي بضرورة التوحد ضد أشكال الهيمنة والاستعمار الجديد, ولكننا نكتفي بالحكمة التي أصبحت معروفة ومتداولة علي نطاق واسع وتشير لأن تلك القوي قد اتفقت علي أمر واحد وهو ألا تنهض مصر وألا يجري تحطيمها أيضا. ومن هنا نفهم فلسفة السنوات الطويلة التي مضت وكانت مصر تخسر تدريجيا مقومات الريادة والزعامة التي تصنعها عوامل الحضارة والتاريخ والدور والرسالة. وعلي خط مواز كانت تتم عملية تجريف للعقل المصري والثقافة المصرية ولثروات البلاد وفق منهج مدروس لا يخلو من العبقرية الشريرة التي انطلت بكل أسف علي الكثيرين, ووضحت الصورة البشعة مع التحقيقات الجارية مع رموز النظام السابق والتي تؤكد أن ما جري لم يكن مجرد انحرافات فردية, وإنما حرب سياسية واقتصادية وثقافية استهدفت انتزاع القوة المصرية من جذورها وتحويل الشعب إلي كائنات حية لا تتجاوز أحلامها رغيف الخبز وأنبوبة البوتاجاز. ولكن ثورة الشعب حققت المعجزة وسقط رهانهم الأخير. muradezzelarab@hotmailcom