في ليبيا لا أحد يستطيع أن ينكر المساعدة الكبيرة التي قدمتها منظمة الأممالمتحدة في حصول البلاد علي استقلالها بعد مسيرة كبيرة من تضحيات الليبيين ضد الاحتلال الإيطالي وقطعها الطريق علي الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية التي كانت تتصارع من أجل الفوز بليبيا كغنيمة لانتصارها ولو عبر تقسيمها وفرض الوصاية عليها ولكن مع جهود الزعماء الوطنيين علي رأسهم الأمير إدريس السنوسي والزعيم بشير السعداوي الذين انتزعوا استقلال ليبيا الذي أعلن في24 ديسمبر1951 بمساعدة فنية من الأممالمتحدة عبر مبعوثها إلي ليبيا السيد إدريان بيلت الذي بذل جهودا عظيمة مع مختلف التيارات والأحزاب السياسة والأعيان والمشايخ في ليبيا أفضت إلي تشكيل لجنة الستين التي توجت إنجازاتها بإصدار دستور للبلاد الذي شكل ملامح الدولة الليبية الحديثة. بعد سقوط نظام القذافي عقب ثورة17 فبراير في2011 رحب الليبيون بدور الأممالمتحدة لتقديم المساعدة الفنية في إعادة بناء مؤسسات الدولة والإعداد لأول انتخابات تشريعية منذ أكثر من40 سنة وعلي مدي أكثر من6 سنوات تناوب خمسة مبعوثين للأمين العام للأمم المتحدة إلي ليبيا ابتداء من الأردني عبد الإله الخطيب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة, والبريطاني إيان مارتن, ثم اللبناني طارق متري, والإسباني برناردينو ليون, والألماني مارتن كوبلر وأخيرا اللبناني غسان سلامة. بالنسبة إلي الأردني عبد الإله الخطيب فشلت مهمته خلال الثورة بعد أن رفض القذافي جميع المبادرات التي كان إعلان تخليه عن السلطة هو أساسها وتشكيل حكومة وحدة وطنية, أما البريطاني إيان مارتن فقد كان الأكثر حظا وتوفيقا حيث خلال فترته منح المجلس الانتقالي الثقة لأول حكومة بعد الثورة برئاسة عبد الرحيم الكيب وأجريت أول انتخابات في ليبيا شهد الجميع بنزاهتها حيث تم تشكيل المؤتمر الوطني العام وبدأت الحياة تعود في مؤسسات الدولة والمدارس والجامعات ومختلف قطاعات الدولة. بعد البريطاني إيان مارتن جاء اللبناني طارق متري وهو أهم مبعوث أممي إلي ليبيا منذ2011 لأنه يعرف خبايا الصراع الإقليمي والدولي والمواقف الحقيقية للدول المتورطة في الأزمة الليبية خاصة أن الأمور بدأت في التعقيد خلال فترته حتي وصلت إلي الانفجار فهو شاهد علي تطورات الأحداث وحاول أن يكون أحد صانعيها من خلال تقديمه لمقترح ماعرف ب(( وثائق18 و19 يونيو2014)) أي قبل أسبوع من انتخابات مجلس النواب حينها, حيث تكونت من جدول أعمال يتضمن أربعة بنود(1) الالتزامات السياسية(2) نحو سياسة وطنية في قطاع الأمن(3) المصالحة والعدالة الانتقالية(4) الحكم المحلي والشفافية ما تتضمن صياغات للبنود الأربعة إضافة إلي إعلان مبادئ مكون من19 بندا. ومن أخطر ما طرحه طارق متري في هذه الوثائق الفقرتان الثالثة والخامسة في بند الالتزامات السياسية التي تحيلان مجلس النواب إلي مجلس صوري تتخذ فيه القرارات بالإجماع بما فيها فرض حكومة توافق بغض النظر عن النتائج التي ستفرزها الانتخابات النيابية! بالإضافة إلي أن الفقرة العاشرة اعتبرت شرعنة للميليشيات وإعطاءها غطاء قانونيا وجعل الدولة رهينة لها كما يحدث في لبنان من قبل حزب الله حاليا, كما أثارت الفقرة14 في المبادئ العامة حفيظة الإعلاميين وبعض منظمات المجتمع المدني حول حرية التعبير والإعلام, واعترف طارق متري أن الوثائق التي نشرت بشأن لقاء يومي18 و19 يونيو صحيحة ولم تكن نهائية أو رسمية. وقد رفض التيار المدني في ليبيا بكل قوة ما جاء في هذه الوثائق خاصة أنها تفرض حكومة توافق بغض النظر عن النتائج التي ستفرزها الانتخابات النيابية, ما اعتبره البعض أنه دعم لفريق الإسلام السياسي الذي رجحت أغلب استطلاعات الرأي خسارته الانتخابات النيابية وهو ما حدث بالفعل حيث لم يحصل مرشحو الإسلام السياسي وحلفاؤهم علي أكثر من15% من مقاعد البرلمان حيث رفض الإسلام السياسي وحلفاؤه الاعتراف بنتائج الانتخابات وبشرعية مجلس النواب وشكل حكومة موازية وأعاد المؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته بعد ما قام عبر ما سمي تحالف(( فجر ليبيا)) باحتلال العاصمة طرابلس بقوة السلاح في أغسطس2014 وهي الفترة التي انتهت فيها مهمة طارق متري كمبعوث للأمم المتحدة في ليبيا. مقترح طارق متري الذي عرف ب(( وثائق18 و19 يونيو2014)) والذي رفضه التيار المدني في ليبيا بكل قوة للأسف جري فرضه من خلال اتفاق الصخيرات الذي هندسه المبعوث الأممي الإسباني برناردينو ليون الذي قاد حوارا بين النواب المقاطعين لجلسات مجلس النواب وعددهم لا يتعدي30 نائبا ينتمون إلي الإسلام السياسي وحلفائه وزملائهم في مجلس النواب تحول بقدرة قادر إلي مفاوضات بين مجلس النواب والمؤتمر الوطني المنتهية ولايته الذي أنتج اتفاق الصخيرات الذي فرض حكومة وفاق بغض النظر عن نتائج الانتخابات التي خسرها الإسلام السياسي وحلفاؤه وهو ما طرحه طارق متري في الفقرتين الثالثة والخامسة في بند الالتزامات السياسية كما ذكرت مسبقا. هذا الاتفاق السياسي الذي جري توقيعه برعاية الأممالمتحدة في منتجع الصخيرات المغربية والذي أعاد الإسلام السياسي إلي المشاركة في السلطة بعد أن أسقطهم الشعب الليبي عبر انتخابات يونيو2014 أثار من جديد التساؤل حول دور الأممالمتحدة في الأزمة الليبية بالإضافة إلي مواقف وتصريحات مبعوثها الإسباني برناردينو ليون من الحرب علي الإرهاب في بنغازي ما اعتبره البعض تحيزا واضحا من الأممالمتحدة لفريق الإسلام السياسي في ليبيا. وخلال فترة المبعوث الأممي الألماني مارتن كوبلر ومن بعده اللبناني غسان سلامة تجاوز رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فائز السراج اتفاق الصخيرات ومجلس النواب الذي لم يمنح الثقة لهذه الحكومة وذلك بتفويض الوزراء للعمل بدون الرجوع لمجلس النواب وإصدار القرارات باسم المجلس الرئاسي دون توافق بين أعضائه الذين قاطع بعضهم واستقال البعض الآخر ولم يبق في المشهد سوي السراج وأحمد معيتيق وسط دعم كبير لهم من قبل الأممالمتحدة والمجتمع الدولي الأمر الذي زاد من الشكوك حول دور الأممالمتحدة في ليبيا. ورغم أن الكثيرين دعموا اتفاق الصخيرات أملا في إنهاء الانقسام السياسي والصراع المسلح وحل الميليشيات عبر باب الترتيبات الأمنية الذي تضمنه الاتفاق والانطلاق في بناء مؤسسات الدولة إلا أن إهمال الترتيبات الأمنية وعدم تدخل الأممالمتحدة والمجتمع الدولي بحزم ضد الميليشيات المسلحة التي تسيطر علي العاصمة طرابلس أشعر الكثير من الليبيين بخذلان الأممالمتحدة لهم بينما طرح البعض الآخر الكثير من الأسئلة حول ما هو الدور الذي تلعبه الأممالمتحدة في ليبيا ولصالح من؟!.