لا يزال تعبير صفقة القرن يحظي بأهمية كبيرة لدي كثير من المهتمين بالملف الفلسطيني الإسرائيلي رغم أن هذه الصفقة لم تطرح رسميا حتي الآن وكل ما يتسرب عنها لا يرقي إلي مستوي الطموحات العربية والفلسطينية, وحتي يكون مفهوم الصفقة واضحا ففي رأيي أنها تعني تلك التسوية التي ستطرحها إدارة الرئيس الأمريكي والتي سيتم بمقتضاها حل القضية الفلسطينية لتكون بمثابة الصفقة التي سوف يسجلها القرن الحادي والعشرون باعتبارها الإنجاز الأكبر لحل هذه القضية المعقدة, كما قد تشمل الصفقة في بعض جوانبها أمورا تتعلق بالأمن الإقليمي ومواجهة الخطر الإيراني. بداية هناك أربعة محددات واضحة تحسب لصالح الجانبين العربي والفلسطيني: المحدد الأول: أنه قد تفرض علينا حرب أو نواجه بعملية عسكرية في مرحلة وظروف ومنطقة ما ولكن لا يمكن لأي قوي سياسية في العالم أن تفرض علينا رؤيتها لحل القضية الفلسطينية ما لم تكون متوافقة مع الثوابت الفلسطينية. المحدد الثاني: أنه لا يوجد أي زعيم عربي أو فلسطيني يستطيع أن يتحمل مسئولية التفريط في أي من الثوابت الفلسطينية, فتلك مسئولية أمام الله والتاريخ والشعوب. المحدد الثالث: أنه من المستحيل تماما أن تقبل القيادة السياسية المصرية الوطنية التنازل عن أي جزء من سيناء من أجل حل القضية في إطار ما يتداول ويسمي بسياسة تبادل الأراضي. المحدد الرابع: أن مسألة إقامة علاقات عربية طبيعية مع إسرائيل لا زالت مرتبطة تماما بحل نهائي للقضية الفلسطينية. والسؤال الذي يفرض نفسه كيف استعدت الأطراف الأربعة المعنية لاستقبال هذه الصفقة وفي هذا الشأن أشير إلي ما يلي: بالنسبة للجانب الإسرائيلي فقد ركزت حكومة نيتانياهو علي أن أي مفاوضات يجب أن تعترف باحتياجات إسرائيل الأمنية خاصة في منطقة غور الأردن وبما يعني ضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية, وكذا الاعتراف بيهودية الدولة خاصة بعد إقرار الكنيست لقانون قومية الدولة مع استمرار القدس الموحدة كعاصمة لإسرائيل ومواصلة سياسة الاستيطان الممنهج ولا سيما في القدس. بالنسبة للجانب الفلسطيني فلا يزال يتحرك إقليميا ودوليا في إطار التأكيد علي الثوابت الفلسطينية المعروفة خاصة إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة علي حدود1967 وعاصمتها القدسالشرقية. بالنسبة للجانب العربي فلا يزال يعلن تمسكه بمبادرة السلام العربية ومبدأ حل الدولتين مع رفض أي تسوية لا تنسجم مع المرجعيات الدولية لعملية السلام. بالنسبة للجانب الأمريكي فقد واصل تبني الاتجاه المتشدد في الضغط علي السلطة الفلسطينية وتخفيض التمويل الأمريكي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين والاتجاه لخفض المساعدات المقدمة للسلطة. وفي رأيي أن نقطة الانطلاق لمواجهة هذه الصفقة تتمثل أولا في ضرورة أن يكون هناك موقف عربي وفلسطيني موحد يطرح علي مستوي الزعامات العربية ويكون ملزما للجميع يؤكد رفض أي مشروعات لتسوية القضية لا تؤدي إلي إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدسالشرقية مع ضرورة امتلاك بدائل واقعية للتحرك حتي لا يبدو الأمر وكأن هناك رفضا عربيا للحلول السياسية وفي هذا الشأن أري الأمرين التاليين: الأول استمرار التحرك العربي علي كافة المستويات حتي تظل القضية الفلسطينية في بؤرة الاهتمام, والثاني أن يعلن الجانب العربي الاستعداد لاستئناف المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية دون شروط مسبقة من أي طرف علي أن يتم طرح كافة القضايا الخلافية خلال المفاوضات ودون الإصرار علي استبعاد واشنطن من الوساطة مع إمكانية بحث فكرة توسيع مجموعة الوساطة لتشمل بعض الدول الأوروبية والعربية علي الأقل في بداية انطلاق المفاوضات.