مدد يا شيخنا.. أزمة التيجاني من كلمة "مشتاق" للحبس    خبير تربوي: مصر طورت عملية هيكلة المناهج لتخفيف المواد    وزير التعليم العالي يشهد فعاليات النسخة الأولى من أسبوع شباب الجامعات التكنولوجية    إزالة 27 حالة تعدى على الأراضى الزراعية وأملاك الدولة بالبحيرة    وزير المالية يستعرض أولويات السياسة المالية لمصر فى لندن    محافظ أسوان: آخذ عينات من المحطات والمرشحات والمنازل بصفة مستمرة للتأكد من جودة المياه    لقاء السفير الياباني وجمعية الأعمال اليابانية (JBA) مع مصلحة الضرائب المصرية    الطيران الإسرائيلى يقصف عددا من البلدات جنوب لبنان    اليونيسيف: ارتفاع عدد النازحين بغزة ل1.9 مليون وانخفاض عدد شاحنات المساعدات    موسكو: أوكرانيا تُقيم معسكرات اعتقال على الحدود الروسية    رجال يد الأهلي يواجه دلفي في الدوري    وصول درع الدوري الجديد لمقر اتحاد الكرة    لاعب ليفربول يقترب من شراء نانت الفرنسي    إزالة 420 حالة إشغالات من شوارع الفشن جنوب بنى سويف    الصيف مستمر.. أجواء شديدة الحرارة فى بنى سويف والعظمى 41 درجة مئوية    حركات غير أخلاقية.. كواليس تعرض أجنبية للتحرش بالمعادي    ضبط شخصين قاما بغسل 80 مليون جنيه من تجارتهما في النقد الاجنبى    القبض على المتهمين بتوثيق شخص بالحبال وسرقة مجوهرات ودولارات بالجيزة    دياموند أبو عبود: الشعب اللبناني يعانى ويناضل منذ زمن    إعلام إسرائيلي: تضرر 50 منزلا بالجليل الأعلى منذ فجر الخميس وحتى صباح اليوم    احتفالية بمناسبة يوم الصداقة العالمي في المركز القومي لثقافة الطفل    دار الإفتاء المصرية تحثُّ على الإبلاغ عن قنوات قراءة القرآن المصحوبة بالموسيقى    مبنى رعايات بنها.. صرح طبي جديد ينضم للمنظومة الصحية    مستشفى قنا العام: إجراء 7 عمليات مناظير متقدمة ضمن يوما علميا    الحسناء الغامضة.. من هي كريستيانا بارسوني وعلاقتها بانفجار «بيجر» في لبنان؟    الأنبا رافائيل: الألحان القبطية مرتبطة بجوانب روحية كثيرة للكنيسة الأرثوذكسية    انطلاق قافلة دعوية إلي مساجد الشيخ زويد ورفح    الخارجية الباكستانية: رئيس الوزراء سيشارك في الدورة 79 للجمعية العامة للأمم المتحدة    أزهري يحسم حكم التوسل بالأنبياء والأولياء والصالحين وطلب المدد منهم    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 20-9-2024 في المنيا    مصر تفوز ب 8 ميداليات فى بطولة العالم للمواي تاي بتايلاند    «الداخلية» تنفي قيام عدد من الأشخاص بحمل عصي لترويع المواطنين في قنا    عمرو سلامة يوجه رسالة ل تامر حبيب بعد مشاركته في "كاستنج" (صور)    عبد الباسط حمودة ضيف منى الشاذلي في «معكم».. اليوم    انخفاض أسعار البيض في الأسواق اليوم الجمعة (موقع رسمي)    تشكيل أهلي جدة المتوقع أمام ضمك.. توني يقود الهجوم    طريقة عمل البرجر فى المنزل بمكونات آمنة    «الخارجية الروسية»: الغرب تحول بشكل علني لدعم هجمات كييف ضد المدنيين    «تغير المناخ»: الموجة الحارة تنتهي اليوم في أغلب الأنحاء    دعاء يوم الجمعة للرزق وتيسير الأمور.. اغتنم ساعة الاستجابة    «ناس قليلة الذوق».. حلمي طولان يفتح النار على مجلس الإسماعيلي    رابط خطوات مرحلة تقليل الاغتراب 2024..    استطلاع رأي: ترامب وهاريس متعادلان في الولايات المتأرجحة    تحذير جديد من انتشار جدري القرود في إفريقيا.. خارج نطاق السيطرة    أسعار الدولار فى البنوك اليوم الجمعة 20 سبتمبر 2024    الفتوى: سرقة الكهرباء حرام شرعًا وخيانة للأمانة (فيديو)    التوت فاكهة الغلابة.. زراعة رئيسية ويصل سعر الكيلو 40 جنيه بالإسماعيلية    مصرع شقيقين تحت عجلات قطار في المنيا بسبب عبور خاطئ للمزلقان    دينا: ابني فخور بنجاحي كراقصة    قرار جديد من وزير التربية والتعليم قبل بدء العام الدراسي المقبل 2025    الطريقة العلاوية الشاذلية تحتفل بالمولد النبوي الشريف في شمال سيناء.. فيديو    عاجل.. موعد توقيع ميكالي عقود تدريب منتخب مصر للشباب    أسعار الخضروات اليوم الجمعة 20-9-2024 في قنا    مصطفى عسل يتأهل لنصف نهائي بطولة باريس المفتوحة للإسكواش 2024    اليوم.. الأوقاف تفتتح 26 مسجداً بالمحافظات    لبنان: وصول رسائل مشبوهة مجهولة المصدر إلى عدد كبير من المواطنين    توقعات الفلك وحظك اليوم.. برج الحوت الجمعة 20 سبتمبر    رئيس مهرجان الغردقة يكشف تطورات حالة الموسيقار أحمد الجبالى الصحية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العم الشحات

استوقفتني شجرة الكافور العتيقة المتجذرة في الأرض بقوة حينما كنت أسير خلف مسجدالبلاسي قالوا إن جذورا تمتد لتصل إلي مسافات بعيدة وكانت هذه الشجرة ذات ساق ضخمة جدا ذات أفرع كثيفة مهوشة.
تغطي أسطح البيوت المجاورة لها‏.‏ تواترت الأقاويل بأن الذي زرع هذه الشجرة هو سيدنا صالح البلاسي أحد أولياء الله الصالحين الذي أتي من بلاد المغرب علي ظهر أسد حسب الروايات التي تناقلتها الأجيال ولذا فقد حمل الكفر الذي نعيش فيه اسمه فصار كفر البلاسي فعاش ومات فيه وأصبح له مقام يحمل اسمه ايضا مقام البلاسي
ولما أطلت النظر إلي هذه الشجرة داخلني إحساس بأنها شجرة مباركة لأن الذي زرعها رجل مبارك‏.‏
وكان بين شجرة الكافور ومقام سيدي صالح البلاسي حجرة صغيرة يقيم فيها العم الشحات وهو رجل قصير القامة ممتلئ الجسد إلي حد ما‏..‏ يرتدي جلبابا فضفاضا وينتعل دائما بلغة قديمة وإذا نظرت إليه تستشعر أنك أمام واحد من أولئك الرجال الذين أكل عليهم الدهر وشرب حتي شبع وارتوي فكان مقوس الظهر شاحب الوجه لاتفارق طاقيته المصنوعة من الصوف رأسه ولا تفارق الارتعاشة جسده لاتتمكن عيناه من الرؤية بوضوح نظرا لكونه بلغ من الشيخوخة ما بلغ وعلي الرغم من كل هذا كان العم الشحات يقوم علي خدمة المسجد والمقام معا ولما كان باب الحجرة مواربا حانت مني نظرة للداخل‏.‏ فكان العم الشحات نائما علي الأرض يفترش بطانية رمادية اللون عليها كثير من البقع والحروق وكانت الحجرة ضيقة لدرجة أن الداخل فيها أقرب ما يكون داخلا إلي مقبرة وكان المصباح الكهربي المتدلي من سقفها يبدو باهت الضوء يضفي علي العم الشحات وعلي الأشياء من حوله لونا شاحبا كأنه لون الموت‏..‏ وكان العم الشحات يبدو من خلال بصيص الضوء كهر عتيق تخيم علي جسده ارتعاشات متتالية‏...‏دلفت إلي الحجرة لا أعرف لماذا؟ ولما استشعر أن أحدا معه داخل حجرته فتح عينيه مبتسما وكأن إحدي أمنياته قد تحققت‏.‏ أذكر أن جدي قال لي يوما إن أهم شيء في حياة العم الشحات أن يأتي الناس قاصدين حجرته ولما لم يتحقق له ما يريد أيقن أنه بين الناس بلا قيمة وبلا ثمن وتأكد له أن أحدا لن يدخل إلي حجرته ربما لضيقها الشديد أو ربما قرفا من شيخوخته التي تتزايد يوما بعد يوم
سألت أمي ذات مساء عن هذا الرجل الذي يبدو برغم ما يعانيه من الضعف الذي أصاب جسده من الإهمال الذي يلاقيه من الناس إلا أنه حريص كل الحرص علي نظافة المسجد الكبير حتي يجعله علي أكمل وجه‏,‏ وكذلك يرعي شئون مقام سيدي صالح البلاسي لدرجة تستلفت النظر فقالت‏:‏ جاء وحيدا من بلاد بعيدة ليس له أقرباء يزورونه‏..‏ فتح العم الشحات عينيه الصغيرتين الضيقتين وأشار بيده تجاه موقد الكيروسين وقال بصوت خافت‏:‏
نشرب الشاي معا
أشعلت الموقد ووضعت البراد علي النار‏...‏ لفت انتباهي ذلك الطبق الصغير المصنوع من الألومنيوم به قطعة صغيرة من الجبن القديم يعلوه نصف رغيف‏..‏ حانت منه نظرة تجاه الطبق وأشار بيده قائلا
هات الطبق وكل معي‏...‏امسك العم الشحات نصف الرغيف جعله قطعتين‏...‏ أكلت لقمة ثم لقمة أخري‏...‏ راحت أصابعه المرتجفة إلي الطبق ثم يعيدها إلي فمه ولما انتهي من المضغ بصعوبة رأيته ويقبل ظهر يده اليمني حامدا لله وشاكرا له نعمته
توالت آيات سورة الكهف من مكبر الصوت المعلق أعلي مئذنة المسجد الكبير فرأيت السنوات تعود للوراء‏...‏ إلي الماضي البعيد‏..‏ إلي زمن الطفولة حينما كانت ترسلني أمي إلي العم الشحات حاملا بين يدي دجاجة أو ديكا عقب نجاحي طيلة دراستي الابتدائية تراءت أمامي صورته حينما كان يقوم بتنظيف حصر المسجد من الأتربة التي علقت بها ثم يعود فيرصها متجاورة بعناية ورأيته يقوم بتنظيف دورات مياه المسجد ويرش الأرض بالماء الممزوج بماء الورد‏..‏ ورأيته يعتلي درجات السلم الخشبي حتي يصل إلي سطح المسجد ليؤذن لكل صلاة ثم يهبط ليؤم المصلين‏...‏ ورأيته يطرق الأبواب بعصا الليمون التي لا تفارق يده يعلن من خلال طرقاته موعد تناول السحور في شهر رمضان‏..‏ورأيته يستقبل الناس مستبشرا وهم يدخلون المسجد لصلاة العيد‏...‏ورأيته يقوم بطلاء حوائط المقام باللون الأخضر ورأيته يقوم برش الماء في طرقات المقام بعد أن يشعل أعواد البخور الزكية الرائحة في جنبات المقام كما رأيته يقوم بعناية أشجار الفيكس المنزرعة حول المسجد والمقام‏...‏أشياء كثيرة‏...‏ وأحداث أكثر تراءت أمامي الآن وفي كل شيء وفي كل حدث كنت ألمح العم الشحاتفتيا وقويا ونشطا
قمت بصب الشاي في كوبين‏....‏أمسك بيده كوبا فرأيته يرتعش بين يديه وراح يرتشف منه رشفات صغيرة متلاحقة‏..‏ قرأت في عيني العم الشحاتآيات الرضا ولمحت السماحة ترتسم علي وجهه الذي مازال يتشبث بآخر خيوط الحياة
محمد الحديدي
الشرقية

إضافة تعليق

البيانات مطلوبة

اسمك
*


بريد الالكترونى *
البريد الالكتروني غير صحيح

عنوان التعليق *


تعليق
*


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.