تعتبر ثورة30 يونيو2013 نقطة مفصلية في التاريخ المعاصر المصري والعربي والإقليمي والدولي, وثورة بهذا التأثير لا يمكن الكتابة عنها بدقة بعد خمسة أعوام من حدوثها, وذلك في ظل تعقد وتشابك تداعياتها علي كل الأصعدة, ولكن ما يمكن لنا أن نتوقف عنده هو دلالات مهمة تعد بمثابة فلسفة وعقيدة خاصة تعبر عن الشخصية المصرية الفريدة والمتميزة عن مثيلاتها في أي بقعة من أرجاء المعمورة, هذه الشخصية لم تعرف اللين ولم تضعف ولم تنكسر, أمام أضخم الإمبراطوريات الاستعمارية علي مر التاريخ, حتي لو كان قدرها أن تدخل في صراع مستمر مع هذه الإمبراطوريات, فسريعا ما تستعيد هذه الشخصية عافيتها وتهزم ذيول المؤامرات التي تحاك ضدها وتكسر قيود المتغطرس الاستعماري الذي لطالما بدل وغير أساليبه علي مدار التاريخ, أملا وطمعا في السيطرة علي مصر وإخضاع الشخصية المصرية. وتعد الثورة, الطريقة الشائعة التي تعبر بها الشعوب المقهورةعن مشاعرها وتطلعاتها, وعبرها ينفض الشعب غبار الذل والاستكانة عن نفسه, ويدحر المحتل أو المستبد بحراكه وبنضاله وبعزيمته الثورية, وترتبط أحداث الثورات, غالبا بمدلولاتها الثقافية والسياسية وتأثيرها وتأثرها بطبيعة أنظمة الحكم وبالزخم السياسي والمعالجة الإعلامية والإنتاج الثقافي في المرحلة التي تسبق الحراك الشعبي, أما نجاحها فيرتبط باللحمة والتماسك حول فلسفتها ومبادئها والقدرة علي تحدي المصاعب والإشكاليات التي يمكن أن تعترضها, كما يرتبط كذلك بالأساليب المتبعة لتحقيق أهدافها سواء كانت سلمية أو عنيفة. وعلي مر الزمان فقد تعددت تعريفات الثورات, وبالجمع بين ما هو مشترك فيها يمكن ببساطة تعريف الثورة بأنها: التغيير القادم من الشعب خارج إطار نظام قانوني لا تتوافر فيه إمكانية التغيير لطبيعته السلطوية وأساليبه الدموية ومنهجيته في التحكم بالقانون والدستور علي مفاصل الدولة ونظام الحكم ومؤسساته, فهي تغيير فجائي وكلي يتم خارج إطار نظام قانوني لا تتوافر له الشرعية الشعبية, وهيبهذا تختلف عنالإصلاحالذي هو التغيير الشعبيالسلمي من خلال نظام قانوني تتوافر فيه إمكانية التغيير عبر التعبير عن الرغبات في الاختيارات الشعبية من خلال الاحتكام لصناديق الانتخابات, فهو تغيير تدريجي جزئي إصلاحي سلمي,يتم من خلال نظام قانوني تتوافر له الشرعية. وتولد الثورات في خضم المعاناة ولا تقوم مرة واحدة ولا تنشأ من العدم, بل تمر بمراحل كثيرة وأطوار متعددة, أبرزها التذمر, والتشكي, ومرحلة الغليان, والسخط الشعبي, والامتعاض من الواقع, والمقارنة الدائمة ما بين الواقع والمأمول. مقدمات الثورة: لذا, لم يكن غريبا علي الشعب المصري أن يتمرد علي نظام حكم تنظيم الإخوان, وقام بعزل مرشحه الذي فاز في انتخابات رئاسة عام2012, للأسباب التالية: استمرار تدهور الوضع الاقتصادي: زاد تدهور الأوضاع الاقتصادية في مصر, وتدنيمستوي الخدمات اليومية للمواطنين, واختفت السلع الحيوية بل نقصت الأدوية, وتدهورت الأجور, وارتفعت الأسعار, وزاد معدل التضخم, وانعدمت الاستثمارات, رغم وعود النهضة في100 يوم, ولكن بعد365 يوما لم يتحقق أي منها مطلقا. تأزم الدور وعلاقات مصر الخارجية:ت تدهور الوضع السياسي الخارجي وانكشف الدور المصري, وخسرت مصر كثيرا من هيبتها ومكانتها بسبب افتقاد مرسي لقواعد البروتوكول في التعامل مع زعماء العالم, إضافة لعدم وعي التنظيم بوجود دوائر ثابتة إستراتيجيا لعلاقات مصر الخارجية والتي لم يهتموا بها إلا وفقا لما يخدم مشروعهم الأممي ورؤيتهم في نظام الخلافة والتي تطابقت مع المشروع التركي, إضافة إلي الإساءة لدول الجوار, خاصة سوريا وعدم إدراك ما تمثله من أهمية للأمن القومي المصري, وإثيوبيا وفضيحة بث مؤتمر سد النهضة علي الهواء. إضافة إلي فضح الارتباط مع المشروع الأمريكي الإسرائيلي لتسوية القضية الفلسطينية علي حساب الأراضي المصرية والمصلحة المصرية والفلسطينية وكل ما هو ضد الأمن القومي المصري والعربي, بما فضح كل ما تاجروا وزايدوا به علي مدار سنوات كثيرة. زيادة الاعتصامات والاحتجاجات: زاد عدد الاحتجاجاتمن كل فئات الشعب المصري خلال عام واحد فقط, ضد التنظيم ومرسي,ووصلتإلي3817 احتجاجافي عام واحد فقط. إضافة إلي القمع والتخوين الممنهج للمعارضة, فلقد تحولت إلي سياسات عامة في الدولة لتمكين النظام من أركان حكم البلاد. التعدي علي سلطة القضاء في مصر: وأبرز مثال لذلك, حصار المحكمة الدستورية العليا من قبل مؤيدي التنظيم والذي يعتبر إهانة للسلطة القضائية بأكملها, وعدم الالتفات لمطالب الشعب من إقالة الحكومة الفاشلة علي مدار سنة كاملة, وتعيين نائب عام بطريقة غير شرعية, وتعيين نائب إخواني لمرسي ومحاولة مرسي من خلال التعديل الدستوري في22 نوفمير2012 امتلاك كل السلطات. صياغة دستور يعبر عن تنظيم الإخوان: إصدار دستور غير متوافق وطنيا مع جموع الشعب المصري, وعبر لجنة إخوانية تولت صياغته بالكامل لكي يحقق لهم آمالهم في التمكين من مفاصل الدولة, مما أدي لافتقاد التوافق نهائيا, وزيادة حالة الاستقطاب في الشارع المصري, لأنه لا يعبر عن تنوع83 مليون مصري آنذاك,وتزوير الاستفتاء عليه, بالإضافة إلي سن قوانين وتشريعات مقدمة من تنظيم الإخوان من خلال مجلس شوري باطل لم ينتخبه إلا5% من الشعب المصري. حوادث وجرائم متعددة: عدم اتخاذ خطوات ملموسة للإصلاح في قطاعات الدولة, والخدمات المقدمة للمواطنين, خاصة في قطاع النقل العام وقطاع الصناعة, واستمرار الافتقاد للأمن والاستقرار وانتشار السلاح, خاصة مع أنصار التنظيم, واستخدامه لترويع كل من هو مختلف معهم, وهو الأمر الذي تكرر في كل الاحتجاجات والمظاهرات التي خرجت ضدهم, وأشهرها آنذاك ما عرف بأحداث الاتحادية. أخونة الدولة: حيث تم إقصاء الكفاءات, وعدم الاستعانة بالخبرات الاقتصادية, والسياسية, والشخصيات, التي لها خبرات طويلة ومشهود لها دوليا ومحليا, في إدارة الأزمات علي جميع الأصعدة التي واجهت الدولة آنذاك. هذا بالإضافة, إلي المحاولة المستمرة للعبث بوزارة الداخلية المصرية, وتحديدا بقطاع الأمن الوطني أمن الدولة سابقا وإعاقته عن ممارسة ومباشرة مهامة بصورة تعجيزية, ومحاولة السيطرة علي الوزارة بالكامل لسابق حالة العداء بين شرفاء الوطن وخونة لطالما كان كل همهم هدم الوطن وتقويضه. القمع السياسي علي الإعلام المصري: من خلال ملاحقة وإحالة الإعلامين المعارضين للنظام قانونيا إلي النائب العام بعد تغييره وسيطرتهم عليه, أو من خلال قرارات غلق القنوات الفضائية لاتجاهاتها المعارضة, وفي نهاية المطاف كانت هنا كشوف معدة بأسماء أبرز الإعلاميين المعارضين للتنظيم معدة وجاهزة للتنفيذ من قبل ميليشيات التنظيم المسلحة, تلك الميليشيات التي أثارت الرعب في شوارع القاهرة ومحافظات الجمهورية بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة. دمج الدين بالسياسة: فلقد تحولت دور العبادة والمؤسسات الدينية إلي منابر دعوة لدعم وتأييد النظام, مما أفقد دور العبادة دورها الأساسي في دعم الجانب الديني لدي الفرد, وساعد علي بث روح الكراهية والفرقة بين أبناء الوطن الواحد, مما كان يمكنهم من نشر أفكارهم في الفتن والفرقة بين أبناء الوطن الواحد. فلسفة ثورة الشعب: ما سبق, كان جزءا من كل نذكر به للضرورة, حتي نتبين لماذا تحرك الشعب المصري, وكله قناعة بأن كل يوم تأخير سيدفع ثمنه أبناؤه وأحفاده في المستقبل من أمنهم, واستقرارهم, ومستوي معيشتهم, وبنية مجتمعهم, وطبيعة ثقافتهم, تحرك المصريون غير مبالين بكل التهديدات التي تلقوها من قادة التنظيم الإرهابي واحتمالية تحريك أنصاره خوارج العصر ضدهم, تحرك المصريون غير مبالين بتحذيرات سفيرة الولاياتالمتحدةالأمريكية التي أطلقتها في الثامن والعشرين من يونيو والتي وصفت فيها مرسي بأنه الرئيس الأمثل وأنه القادر علي النهوض بمصر وأنها تحذر من الخروج عليه, تحرك المصريون لكي يصيغوا عقدا اجتماعيا يريدون من مؤسستهم العسكرية التي هي دائما العمود الحامل الذي يركنون إليه أن تتبناها, والتي قوامها ما يلي: 1 التخلص من تنظيم الإخوان ووقف تمكنه من مفاصل ومؤسسات الدولة. 2 وقف حالة الفوضي التي قوضت الأمن والاستقرار المجتمعيين. 3 إعادة بناء مؤسسات الدولة التي شارفت علي الانهيار بفعل الأخونة. 4 استعادة الهوية الوطنية للدولة, تلك الهوية الوطنية الوسطية المعتدلة التي تتسم بها الشخصية المصرية, والتي تبتعد كثيرا عن هذا النموذج المتطرف الذي حاولوا فرضه علينا ثقافيا وفنيا وإعلاميا ودينيا علي مدار سنوات عديدة. 5 البناء للمستقبل والاهتمام بالإنسان وتحقيق المفاهيم الحقيقية لحقوق الإنسان في العيش والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية, تلك القيم النبيلة وليست القيم الزائفة, كما تمت المتاجرة بها. 6 استعادة هيبة الدولة والعودة للعب الأدوار المؤثرة في الدوائر ذات الأولوية الإستراتيجية للسياسة الخارجية المصرية, بما يمكننا من تحقيق المصلحة الوطنية والأهداف القومية للدولة. 7 بدء عملية إصلاح وتنمية حقيقية لتحقيق آمال وطموحات المصريين في مستقبل مختلف. لم تخيب القوات المسلحة ظن شعبها, وكانت حاضرة في المشهد بقوة, وتبنت مطالبه باعتبارها العقد الاجتماعي الذي يريده للبناء عليه, أو هي الفلسفة التي ينبغي أن تبلور أي إطار يتم التوصل إليه, ولأنها مسئولة وتقف علي مسافة واحدة حتي هذا الوقت قامت بتوجيه الدعوة للجميع للنقاش حول آليات تحقيقها, وكان اجتماع3 يوليو الذي حضرته كل القوي المدنية التي تم توجيه الدعوة إليها لحضوره إلا الفصيل المارق علي الإرادة الشعبية الذي ترك مقعده خاليا, حيث إن قادته كانوا مشغولين بوضع الخطط مع حلفائهم لتنظيم اعتصامي رابعة والنهضة ونشر الفوضي علي الحدود المصرية, وصدر بيان3 يوليو متضمنا الانتصار لمطالب شعب30 يونيو, ولتبدأ الدولة علي الأرض بعد ذلك في التطبيق العملي لفلسفة30 يونيو من خلال: 1 إعادة بناء مؤسسات الدولة المصرية وفقا لبيان3 يوليو. 2 الشروع في أكبر عملية إصلاح إداري واقتصادي مصاحبة لأكبر عملية تنمية اقتصادية وفقا لخطة مصر2030, وهي الخطط التي شرعت الدولة في تنفيذها بعد انتهاء المرحلة الانتقالية وتولي الرئيس عبد الفتاح السيسي فترته الرئاسية الأولي يونيو.2014 3 الاهتمام الحقيقي بالفئات التي كانت بينها وبين الدولة إشكاليات, وسوء فهم وعدم قدرة علي الاستيعاب للأدوار علي مدي فترات زمنية طويلة, خصوصا الشباب, هذا بالإضافة, إلي الاهتمام بالمرأة وذوي الاحتياجات الخاصة في ضوء تبني الدولة لسياسات تعلي من شأنهم وتعطي لهم حقوقا لطالما تم التجاوز عنها. 4 مواجهة المشاكل المجتمعية العصية علي مدار العقود الأخيرة لتوفير ما يليق بحياة كريمة للمواطن, وما يليق بمستقبل أفضل له, خاصة ما يتعلق بمجالات الصحة والإسكان والتعليم والنقل والمواصلات, وذلك عبر قرارات إصلاحية جريئة يتفهمها كل مخلص لثورة30 يونيو. 5 استعادة الهوية الوطنية الوسطية للدولة, وإعادة العلاقة الطبيعية وفقا لمفهوم المواطنة المصرية بعد عقود طويلة حاولوا فيها النيل منا وتقسيمنا والتفرقة بيننا; وبعد أن كنا قد اقتربنا من أن يكون الدين مهددا للأمن القومي المصري علي يد مجموعة تاجرت بالدين أكثر مما كانت تعمل بتعاليمه. 6 استعادة الدور الفاعل للسياسة الخارجية المصرية وفقا لقاعدة استقلال القرار وحرية الإرادة الوطنية, وهو الأمر الذي ترجم فيما يلي: أ- القضية الفلسطينية هي جوهر الصراع العربي الإسرائيلي, وحل الدولتين مع إعلان القدسالشرقية عاصمة لفلسطين, وفقا لقرارات الأممالمتحدة ومجلس الأمن هي الحلول المقبولة وأساس أي تسوية مستقبلية. ب تدير مصر علاقتها بالخارج وفقا لمبادئ الشراكة والعلاقات المتوازنة وليس التبعية, مع الحفاظ علي العلاقات الإستراتيجية, والانفتاح والتوازن مع الجميع, وتبادل المصالح والآراء والاحترام. ت دعم قضايا السلام الإقليمي والعالمي, وفقا لقواعد القانون الدولي والقرارات الصادرة عن الجمعية العامة ومجلس الأمن للأمم المتحدة. ث دعم هوية الدولة الوطنية, ومنع انهيار مؤسساتها حتي لا تدخل في دائرة الدول الفاشلة. ج محورية العلاقات المصرية الإفريقية وحتمية العمل علي تنمية قدرات وإمكانات دول القارة, وفقا لقواعد العدالة الدولية وبما يعطي لسكان القارة حقهم الكامل في التنمية المستدامة بأبعادها المختلفة. ح مصر دولة شريفة, لا تدير سياستها الخارجية إلا بشرف ولا تتبني التدخل في شئون الدول الأخري. هذه هي30 يونيو, وهذا هو ما صنعه الشعب المصري لمن ليست له القدرة علي الاستيعاب, وعلي كل منا أن يقف لبرهة ويبحث في تاريخ الجيش المصري, يتعرف علي مقوماته وطبيعة دوره في عصر الدولة القديمة منذ أيام الفراعنة وحتي اليوم, يتعرف علي دور الجيش المصري قبل ثورة23 يوليو وبعدها, يتعرف علي حرب الاستنزاف وبطولات جيش وشعب, يتعرف علي تضحيات بناء حائط الصواريخ وعلي كيفية إعادة بناء القوات المسلحة بعد نكسة1967, يتعرف علي حرب العزة والكرامة في أكتوبر1973 ومعجزات التخطيط والتنفيذ, يتعرف علي كيفية تطوير الجيش بعد أكتوبر والتي مكنته أن يحمي البلاد من مخاطر جمة خلال الفوضي التي تلت يناير2011 وتأمين احتياجات المواطنين, خاصة في الصعيد وحماية آثار مصر, يتعرف علي دور الجيش في تأمين حدود غربية تمتد لأكثر من ألف كيلو متر مع دولة كادت تقترب من الفشل, وتأمين الحدود الجنوبية مع دولة يسهل اختراق حدودنا معها عبر مدقات وممرات جبلية, يتعرف علي تطهير سيناء من الإرهاب وتأمين الحدود الشرقية وتدمير الأنفاق, يتعرف علي تحديث الجيش بعد ثورة30 يونيو وماهية الأسلحة والآليات التي يتم شراؤها وأولوياتها وأهدافها, والأهم العنصر البشري الذي استوعبها وتمكن منها بهذه السرعة, يتعرف علي أعداد اللاجئين العرب من بلدان الربيع العربي الذين تم استيعابهم في المجتمع المصري ولم يتم وضعهم في معسكرات للاجئين والمتاجرة بهم وطلب المعونات لإعاشتهم, فمصر استوعبت خمسة ملايين لاجئ أثبت معظمهم عبر مشاركتهم في مشروعات اقتصادية النجاح, وهو أمر يدين الفئة القابعة خلف شاشات الحاسب الإلكتروني المحمول والهاتف المحمول الذكي ولا هم لها إلا الشكوي وعدم الإنتاج.