ما بين العمل السياسي والاجتماعي استطاع عبدالغفار شكر نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان أن يتنقل بين قاع المجتمع وقممه النخبوية, وبعمر تجاوز الثمانين عاما تقلد مناصب عديدة من قيادي في منظمة الشباب الاشتراكي إلي صاحب نظرية في العمل الحزبي, وبرغم كونه اشتراكي التوجه إلا أنه مؤمن بأن الرأسمالية ليست شرا كلها, وأنها قد تفيد فيما لاتفيد فيه غيرها, ويؤمن بأن الحريات هي أقصر الطرق لتقدم الشعوب, وأن الديمقراطية هي بوابة التقدم, وأن مصر إن تقدمت اقتصاديا فمن الممكن أن تنقذ الأمة العربية من كبوتها, وأن اهتمام القيادة السياسية بالشباب هو محاولة لبناء قيادات ونخب تقود مصر للمستقبل. بدأنا معه هذا الحوار وسألناه عن واقع الأحزاب السياسية في مصر اليوم, ولما أجاب بأن أفضلها ليس بأحسن حال من أسوأها, فقلنا له: ما هي وجهة نظرك في الدعوة التي تم طرحها بدمج الأحزاب في بعضها البعض لتخرج لنا في النهاية بمجموعة من الأحزاب القوية والفاعلة؟. فقال: دمج الأحزاب دعوة تستحق الاهتمام, والأحزاب السياسية تنشأ نتيجة التطورات السياسية والاجتماعية في المجتمع, فالأحزاب السياسية عندما نشأت في النظام الرأسمالي, كانت من خلال طبقة رأسمالية قوية ومسيطرة في إنجلترا وألمانيا, وكبرت معها الطبقة العاملة فنشأ بينهما تعارض في المسار, والرأسمالية كانت محتكرة السلطة, فكون العمال النقابات وقاموا بتنظيم الإضرابات ما أدي إلي أن الرأسمالية بعد فترة أدركت أن مصالحها في خطر مالم تعترف بتداول السلطة مع طبقة العمال بالأساليب الديمقراطية السلمية من خلال الانتخابات بدلا من العنف, والغريب في الأمر أن الناس تتصور أن إنجلترا فيها حزب العمال والمحافظين فقط, وأن أمريكا بها حزبا الجمهوريين والديمقراطيين فقط, والحقيقة أن كل دولة بها عشرات الأحزاب, ولكن ظهور حزبين فقط لأنهما هما الأكبر تأثيرا من خلال تمثيلهما لكتلة جماهيرية واسعة. ويضيف عبد الغفار شكر: وما حدث في مصر بعد ثورة يناير قريب من هذا الأمر, زادت طموحات الناس, وارتفع سقف الأحلام للتعبير عن مصالحه, فتكونت الأحزاب, ولأن المجتمع المصري لم ينضج ولم تتوافر بداخله القواعد الجماهيرية القوية التي تمارس من خلالها الضغط للتعبير عن مصالحها, فتشكلت الأحزاب من أفراد ومن عائلات ومن شلل, وهكذا أصبح عندنا106 أحزاب هي تعبير عن رغبة للتواجد في الحياة السياسية, لكن شروط نضج الحياة الحزبية والتعددية الحزبية لم تتوافر. لكن ما الصورة الأمثل لإنعاش الحياة الحزبية في مصر ؟ ألأفضل أن نترك الحياة الحزبية حرة وأن نطلق لها العنان لتدخل الانتخابات المحلية, وأن يتم تعديل نظام الانتخاب في البرلمان, لأن الانتخاب بالنظام الفردي لا يفوز فيه إلا أصحاب العصبيات والرأسماليين وأبناء العائلات والقبائل, وبالتالي من يأتي لا يعبر عن حقوق العمال والفقراء أو الكتل الجماهيرية الكبيرة.. وأري أن الأخذ بأسلوب القائمة النسبية في مجلس النواب سيأتي بأحزاب أكثر قوة وينقذ الحياة الحزبية من حالة الكساد السياسي. من خلال تجربة منظمة الشباب الاشتراكي في مصر من19761963 تقول إنه لن يجدي عادة التجربة المنظمة في مصر مرة تانية, ولكن لها دروسا مستفادة, وفي ظل عقد الرئيس السيسي لمؤتمرات الشباب كل عدة أشهر, لماذا لا تتم الاستعانة بتجارب خبراء المنظمة لضخ الدم في العمل الشبابي الحالي في مصر وتفعيل مثل هذه المؤتمرات؟ قلت إنه لا يمكن إعادة منظمة الشباب الاشتراكي, لأنها قامت في ظل نظام الحزب الواحد, اليوم لدينا نظام تعددي, والدولة عندما تنشئ نظاما شبابيا يكون حسب طبيعة القوي التي تحكم, وتقريبا يكون من الصعب تكرار منظمة الشباب من هذه الزاوية, وعندما تنشئ الدولة تنظيما شبابيا لا بد أن يكون معبرا عنها, والأفضل أن مراكز الشباب المنتشرة في ربوع مصر تنظم برامج لتثقيف الشباب علي الديمقراطية بلا توجهات طبقية, ويتم عمل جماعات داخل مراكز الشباب لخدمة البيئة المحلية,تعقد ندوات للتثقيف السياسي. البعض يقول إن قيادات منظمة الشباب كما صعد منهم عدد كبير للصفوف الأولي, فمنهم من جنح لليسار, ومنهم من أخذه التيار بعيدا نحو الجماعات المتطرفة, وبعضهم انكفأ علي نفسه وتقوقع بين اليأس والرجاء, ما تعليقك علي هذا؟ هذا حقيقي, ما حدث أنهم كانوا جيلا من الطلاب وخريجي الجامعات فهموا الحياة السياسية بشكل صحيح, فكانوا قيادات في مجالاتهم, فالعامل استطاع أن يكون قائدا في مصنعه, وملأوا الحياة السياسية بخبراتهم, وغير صحيح أن عددا كبيرا منهم استغرقته تيارات اليسار. كيف يستوي ما تقوله بأنهم استطاعوا خلق حالة ديمقراطية خاصة, والمنظمة في الأساس هي صنيعة النظام؟ وأقول إن من فجر مظاهرات الطيران1968 هم شباب المنظمة وأول من خرج وقاد الصفوف هم أبناء منظمة الشباب الاشتراكي, والفيصل في كل هذا هو البناء التثقيفي المحايد الذي قامت عليه الأسس الأولي للعمل في المنظمة, بل قام عدد من شباب المنظمة بحرق بطاقات المنظمة علنا, فالمنظمة كونت جيلا كاملا ما زالت الدولة تعتمد علي أعداد كبيرة منهم حتي الآن ومن قبل كانوا منتشرين في كل مناحي الحياة السياسية في مصر. من خلال كتاباتك مازلت تكتب عن القومية العربية ووحدة الأمة, في ظل حالة من التشرذم والضياع يعيشها العرب, فماذا تبقي من القومية في ظل هذا المناخ المضطرب ؟ سوريا واليمن والعراق وليبيا انتهت فيها الدولة القومية وارتدوا إلي شكل الدولة القبلية وهو شكل من أشكال البداوة التي فارقتها الحضارات من زمان طويل, ولكن الاستبداد منع من أن تتوحد هذه المنطقة لأن كل دولة فيها ثروة, والفئة المسيطرة علي هذه الثروات تستأثر بها ولا تقبل بأن تشاركها فيها شعوبها, وأصبح هناك مانع وحاجز هو الاستبداد الذي في ذات الوقت يحقق مصالح الدول الأجنبية, أمريكا تريد الانفراد بدول الخليج, وأوروبا تريد أن يكون لها النفوذ علي شمال أفريقيا, واليوم القومية العربية تعيش في مأزق, وأصبحت في حالة أسوأ عما كانت عليه من قرون, وارتدت لشكل التجزئة لما قبل القومية, والعودة إلي أوضاع ما قبل نشوء القوميات. كيف الخروج من حالة الانسداد السياسي العربي وهل من الممكن ترميم الوضع السياسي العربي والعودة به إلي ما قبل عصر الربيع العربي؟ هذا ممكن إذا استطاعت مصر أن تقوم بدور الإصلاح والترميم, وإذا ما تغلبت علي الإرهاب الأسود والأزمة الاقتصادية من ناحية أخري, ولو قدرنا نرفع النمو الاقتصادي ونعزز الوضع السياسي ونقضي علي الإرهاب ستصبح مصر مركز قوة في المنطقة العربية وستشد معها دولا أخري مثل أقطار المغرب العربي.. وفي رأيي لو وعينا لدورنا كمصريين وأدركنا جيدا دور مصر الحقيقي, تستطيع مصر أن تنقذ الأمة من هذه الأزمة, وتبرز كدولة قوية عسكريا واقتصاديا وثقافيا, فالقوة الاقتصادية والقوي الناعمة في مصر لها تأثير بارز علي الدول العربية. التمويل الأجنبي له دور مهم في القيام بعمل تنموي في القري والمدن, لماذا التحفظ علي هذا الدور المهم لتلك المؤسسات, ولماذا لا تتم الاستفادة منه بشروط محددة وتحت نظر ورقابة الحكومة ؟ ممنوع علي الأحزاب السياسية قبول أي تمويل أجنبي, لكن المجتمع المدني وما يحويه من جامعات أهلية تمويله يقوم علي ثلاثة أعمدة: الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني وما به من هيئات تطوعية تقوم بعمل مشروعات تنموية صغيرة تعوض عجز الحكومة عن القيام بهذا الدور, فالأندية والجمعيات تحتاج لتمويل تقوم به الدولة من وزارة التضامن الاجتماعي, وغالبا لا يكفي, وهناك دول تقوم بدور تنموي في البلدان المتخلفة والفقيرة حماية لنفسها من تدفق مواطني هذه الدول عليها.. وأقول بأننا نرحب بالتمويل الأجنبي للجمعيات الأهلية بشروط إخطار وزارة الخارجية والإلزام بفتح حساب في البنك تحت إشراف وزارة التضامن, فكثير من الدول تقوم بتمويل شبكات مياه الشرب في القري والمحافظات الإقليمية, وهذا أمر لا خطر منه لأنه يكون تحت رقابة الحكومة. مؤسسات حقوق الإنسان في مصر تتمتع بسمعة غير طيبة لماذا؟ في موضوع حقوق الإنسان لازم التمييز بين حالتين: الأولي: المنظمات الحقوقية وهي جزء من المجتمع المدني, والثاني: المجلس القومي لحقوق الإنسان وهو مؤسسة من مؤسسات الدولة, أنشئ بقانون كهيئة مستقلة ماديا وماليا وفنيا, ولا يخضع لأي شكل من أشكال الرقابية الحكومة, وله مهام محددة لمراقبة حالة حقوق الإنسان ويصدر تقارير ينبه فيها أجهزة الدولة إلي أي سلوكيات ترتكب ضد حقوق الإنسان, وأن يثقف الناس بثقافة حقوق الإنسان, وأن يقول رأيه بمشروعات القوانين التي تتعلق بحقوق الإنسان..