أنعم الله علي مأمون سيد الشناوي بنعم كثيرة اقلها موهبته في كتابة الأشعار. وكاتب مثل مأمون لا يمكن الحديث عنه باعتباره شاعرا غنائيا, فالرجل كان حالة فنية ثقافية كاملة وأصيلة. مأمون ابن سيد الشناوي العالم الأزهري الجليل, وابن شقيق الإمام الأكبر مأمون الشناوي شيخ الأزهر الأسبق, بالإضافة إلي أنه شقيق كامل الشناوي الشاعر البديع, يعني من أي اتجاه تذهب إلي شاعرنا تجد علما وثقافة. ولد عام1914 في جنينة ناميش التي تحدث عنها السباعي في مجموعته: بين أبو الريش وجنينة ناميش, ومنذ ثلاثينيات القرن الماضي وهو ينتشر في الأوساط الثقافية والصحفية والفنية. ومأمون هو أحد الأباء المعلمين في مدرسة روز اليوسف عروس الصحافة المصرية, وفي الاربعينيات كان يمتلك مجلة اسمها كلمة ونصف تدرب فيها محمود السعدني وأحمد رجب وغيرهما من نجوم الصحافة بعدها, وفي الستينيات ترك الصحافة بعد ان باخت أعقاب التأميم, ولم يعد لها رونق وتألق ما قبل الثورة( باستثناء أهرام هيكل التي كانت قيمتها في رصانتها), غير أنه عاد في الثمانينيات كاتبا في الجمهورية, ولا تعرف لماذا؟! بدأ مأمون كتابة الأغاني مع عبدالوهاب الذي أعطاه لحنا وطلب منه تجريب الكتابة عليه, وهو ما حدث فعلا, غير انه كان أكثر انسجاما مع فريد الأطرش, لأن فريد لم يكن يغير أي كلمات تصله من اي شاعر, وكان مأمون يكره ان يغير له أحد اشعاره, فكان الشناوي والأطرش ثنائيا مهما. كان حرص مأمون علي عدم تغيير كلمات أغانيه سببا في تأخر تعامله مع أم كلثوم التي كانت تحرص علي أن تدير هي الأغنية كلاما ولحنا وتوزيعا ومن كل النواحي, ولذلك فشل مشروع الربيع, وهو الأوبريت الذي كتبه الشناوي لتغنيه الست التي وافقت بشرط إجراء تعديلات في الكلمات واختيار الألحان وهو ما رفضه الشناوي. أدرك الشاعر فيما بعد أن ام كلثوم هي جواز سفر البقاء, وان من لم يكتب لأم كلثوم كأنه لم يكتب, فوافق علي أن تفعل ما تشاء, وهكذا ظهرت أربع أغنيات مشتركة بينهما, واحدة من ألحان عبدالوهاب هي ودارت الأيام, واثنتان لبليغ حمدي: كل ليلة وكل يوم, وبعيد عنك, أما الأغنية الرابعة الرائعة فهي أنساك, وهي من ألحان بليغ ايضا, غير أنها دارت علي ثلاثة ملحنين قبله, ذهبت لزكريا أحمد ورحل قبل أن يبدأ في تلحينها, وذهبت لسيد مكاوي ولم يعجب لحنه الست, فذهبت لفوزي الذي بدأ في تلحينها ثم مرض مرضا شديدا, وفي النهاية لحنها بليغ. وما لا يعرفه الكثيرون هو أن أن مأمون الشناوي هو الذي قدم واحدة من أهم تجارب الغناء المصرية, أحمد عدوية, حيث كان مأمون مستشارا فنيا لشركة صوت الحب, التي كانت وقتها أكبر شركة إنتاج موسيقي, وعرض مأمون علي عاطف منتصر صاحب الشركة ان ينتج لأحمد علي مرسي الذي سيشتهر باسم أحمد عدوية, ولم يتحمس منتصر في البداية غير أن منتصر أخذ الأمر علي مسئوليته وكتب لعدوية كركشنجي وسيب وأنا أسيب, والسلاملك وأخذ بيده حتي أصبح رقم واحد في مصر, كما اكتشف بعده عزيزة جلال التي كادت تصبح أم كلثوم جديدة لولا أنها تزوجت وهجرت الفن, ثم هاجرت من مصر. كان مأمون حالة فنية أكبر من أن يتم تلخيصها في كونه شاعرا للأغنية, ورحل قبل17 عاما من اليوم27 يونيه1994, وربنا يرحم الجميع.