في مناطق عديدة من العالم تدور صراعات عسكرية دامية ومريرة بين قادة وسياسيين وعسكريين وبين جيوش نظامية وميليشيلت مسلحة بسبب النزاع علي السلطة والنفوذ والسيطرة علي كرسي الحكم والثروة والجاه, ويسقط يوميا عشرات ومئات القتلي والجرحي علي خلفية تلك الصراعات بسبب العرق والدين واختلاف المذاهب, أو بسبب الخلاف علي ترسيم الحدود, وهي في أغلبها صراعات اختيارية من صنع البشر قد تستمر لسنوات بقوة الدفع الذاتي. ومع بداية شتاء هذا العام شهدت مناطق أخري في العالم صراعات أخري من نوع لا يقل ضراوة عن الاشتباكات المسلحة, ولكن لا دخل للبشر فيها, صراعات مع الطقس السيء, فالطبيعة لا تعرف الاتفاقات والمساومات, وتأتي عاتية تطيح بمدن بأكملها, ولا تكترث للضحايا. يخرج العالم من الشتاء مثخنا بخسائر مادية وبشرية فادحة وجراح عميقة وخراب هائل, وينتظر الصيف لتضميد جراحه ومحاولة إصلاح ما أفسدته العواصف الثلجية والطقس السيء. ففي الساحل الشرقي للولايات المتحدة هبت عاصفة ثلجية عاتية وتسببت في شل حركة المطارات في نيويورك, وانهمرت فيضانات جليدية في بوسطن مما أدي إلي انقطاع التيار الكهربائي عن عشرات الآلاف من الأشخاص, بينما تخشي السلطات المحلية انخفاضا أكبر في درجات الحرارة يمكن أن تؤدي إلي تفاقم الأوضاع إلي الأسوأ. مدينا نيويورك ونيو جيرسي اكتستا بالبياض جراء سقوط الثلوج بكثافة, فأغلقت المدارس والمطارات جي إف كيه كينيدي ولاجوارديا والمصالح الحكومية أبوابها, وغرقت المدينتان في صمت مطبق مع انخفاض درجات الحرارة ليلا إلي15 درجة تحت الصفر. وسجلت اضطرابات في حركة النقل, وقال حاكم نيويورك أندرو كومو أن مباني المطارات بقيت مفتوحة لاستقبال المسافرين العالقين. فيما أجبر إغلاق مطار كينيدي طائرة إيرباص إيه-380 تابعة لطيران سنغافورة, علي الهبوط غي مطار ستيوارت الصغير الذي يبعد نحو مئة كيلومتر شمال نيويورك ولم يستقبل من قبل أية طائرة بهذا الحجم, وألغيت ثلاثة أرباع الرحلات إلي مطارات نيوآرك بولاية نيوجيرسي ولوجان وبوسطن. كما تعرضت طائرة تابعة للخطوط الجوية الكويتية أثناء استعدادها للإقلاع من مطار( جي اف كي) الدولي بنيويورك أمس السبت للاصطدام من جانب طائرة أخري علي المدرج مما ألحق بها أضرارا خفيفة. عدد رحلات الطيران التي ألغيت بلغ4200 رحلة كما تم تأخير220 رحلة غيرها, كما وقعت عدة حوادث خطيرة علي الطرق, وألغيت مئات رحلات القطارات بين المدن الكبري شمال البلاد. في الوقت نفسه رافقت العاصفة الثلجية التي وصفتها السلطات بالقنبلة المناخية أمواج هائلة في بوسطن أدت إلي سيول تاريخية. وتأثرت بعض مناطق الجنوب الشرقي التي لا تهطل فيها ثلوج عادة بهذه العاصفة. وشهدت شواطئ فلوريدا تساقط ثلوج لم تحدث من ثلاثين عاما, ولقي ثلاثة أشخاص حتفهم في حادث تسبب به الجليد في كارولينا الجنوبية. يأتي ذلك في الوقت الذي اجتاحت فيه عاصفة شديدة منطقة نورث أيلاند في نيوزيلندا, مما أدي إلي انقطاع الكهرباء عن عشرات الآلاف من المنازل وإجبار السلطات علي إجلاء السكان من المناطق المنخفضة. وذكرت هيئة الأرصاد الجوية هناك أن العاصفة قد تستمر في التسبب في دمار مع توجهها جنوبا صوب العاصمة ولنجتون, وقال المعهد الوطني لأبحاث المياه والغلاف الجوي إن أوكلاند أكبر مدن نيوزيلندا شهدت خلال يوم واحد أمطارا غزيرة تعادل ما تشهده من أمطار خلال شهرين, مما دفع السلطات إلي إغلاق الطرق الرئيسية وإلغاء خدمات العبارات. وفي بلدة كايوا الساحلية جنوب أوكلاند دعت السلطات المحلية السكان إلي الرحيل الفوري بعد أن غمرت موجات مد شديدة الأراضي الواقعة علي امتداد الساحل. وذكرت وسائل إعلام محلية أن رياحا وصلت سرعتها إلي128 كيلومترا في الساعة اقتلعت أسقف مبان وأسقطت أشجارا وأطاحت بمراكب من مراسيها خلال الليل. وفي سوريا أنقذت الأحوال الجوية السيئة قوات المعارضة في غوطة دمشقالشرقية من قصف سلاح الجو السوري. وفي ألمانيا تسببت الأمطار الغزيرة والثلوج في فيضانات وانهيارات أرضية بجنوب البلاد, وتم إجلاء حوالي مئة شخص من شارع سكني في بلدة سانت بلاسيان بمنطقة الغابة السوداء كإجراء احترازي, وقالت الشرطة في مدينة فرايبورج أن معظم السكان تمكنوا من العودة إلي منازلهم. وتوقعت هيئة الأرصاد الجوية الألمانية سقوط أمطار غزيرة يتراوح منسوبها ما بين70 و120 لترا لكل متر مربع في بعض المناطق من الغابة السوداء ومنطقة الجاو. واضطرت الشرطة للتعامل مع الطرق الغارقة في مناطق أخري من ولاية بادن-فيرتمبرج, وقالت أن المياه في بلدة كمبتن فاضت علي ضفاف الأنهار في ولاية بافاريا جنوب البلاد وأغرقت الطوابق الأرضية وساحات انتظار السيارات. وفي أوروبا بلغت حالة التأهب جراء المخاوف من حدوث انهيارات ثلجية أعلي درجاتها في جبال الألب الفرنسية بعد أن اجتاحت العاصفة اليانور القارة العجوز وتسببت بمقتل أربعة أشخاص, وأغلقت عدة منتجعات أبوابها خوفا من انهيارات ثلجية محتملة. وأكد المسئول عن التزلج في منطقة سافوا بجبال أن الهدف حماية الجميع. وفي جزيرة كورسيكا الفرنسية في البحر المتوسط, حاول نحو400 عنصر إخماد النيران التي اندلعت جراء الرياح العاتية التي تسببت بها العاصفة فيما أصيب ثلاثة أشخاص بجروح. وذكرت السلطات المحلية أن الحرائق أسفرت عن نفوق300 رأس ماعز علي الساحل الشرقي للجزيرة فيما احترقت عشرة منازل, خمسة منها تدمرت بالكامل. وأكدت السلطات أن اندلاع حرائق بهذه الكثافة أمر استثنائي في الشتاء. وانتشرت قوات من قاعدة جوية محلية للمساعدة في إخماد الحرائق. ونجحت مروحيتان في المساعدة علي إخماد النيران بعدما تراجعت شدة الرياح. واليانور هي رابع عاصفة كبيرة تشهدها أوروبا منذ ديسمبر الماضي.وأسفرت عن مقتل أربعة أشخاص بينهم متزلج يبلغ من العمر21 عاما سقطت عليه شجرة في فرنسا فيما جرفت موجة ضخمة رجلا وزوجته في الستينات علي ساحل منطقة الباسك الاسبانية.