في جولتنا في منطقة الجيزة لم تكن البلطجة وحدها ترجمة كل الانفلات الأمني الذي تعاني منه مصر الآن, ففي الجيزة تجد مظاهر لا حصر لعددها تعكس هذا الانفلات. في ظل انعدام تام للوجود الأمني هناك.بدأت جولتنا من محطة مترو الجيزة, وأمام المحطة رصدنا وجودا كثيفا لقوات الشرطة من خلال انتشار رهيب لسيارات ترحيل المسجونين زرقاء اللون, الا أننا اكتشفنا أن هذا الوجود ماهو الا حماية لمبني النقابة الفرعية للمحامين بالجيزة, كما أن هذا المكان يعد مكان استراحة لتلك السيارات خاصة أن محكمة الجيزة الابتدائية تقع هناك. عطية محمد أحد سكان المنطقة يقول أن الشرطة لاتشكل أبدا درعا لحماية المواطنين في تلك المنطقة وأن تواجدها ينحصر فقط في الساحة المقابلة لمحطة مترو أنفاق الجيزة, مضيفا: امشيء شوية كده لغاية الميدان لو لقيتي عسكري حتي.. ابقي قابلني. أخذنا بنصحيته وتوجهنا الي ميدان الجيزة, لكن قبل أن نروي مارصدناه هناك, فان ما رصدناه وفي طريقنا للميدان يستحق الاشارة, رصدنا انتشارا كبيرا للبائعة الجائلين بالشوارع بدءا من أمام المحطة التي تسبق محطة مترو الجيزة في الترتيب. الباعة الجائلون هناك يفترشون الطريق الرئيسي حتي لا تكاد تعبر سيارة واحدة, وهناك يبعيون كل شيء من أطعمة وحلويات وأحذية وغيرها, فضلا عن المحال هناك والتي استغلت حالة الانفلات الأمني في انتهاك حرمة الشارع وقامت بافتراش الأرض وحوامل الملابس علي مساحة واسعة أمام محالهم. كما رصدنا علي لسان الأهالي كيف أن المنطقة تشهد العديد من المشاجرات ليلا ونهارا, قد تستخدم فيها الأسلحة البيضاء, ولكن لم ترصد أي حالة لاستخدام الأسلحة النارية. ( محمد سطوحي صاحب سنترال يروي لنا كيف أن مشاجرة وقعت بين مجموعة من الباعة منذ أيام انتهت باسالة دماء كل منهم للآخر مضيفا: الناس هنا مقطعة بعض والخناقات هنا ليل ونهار.. يا فندم ده مافيش أي رتبه شرطة بتعدي حتي علي الأقل نطمئن.. والكلام ده مش الجيزة بس اللي بتعاني منه, ده كل حته دلوقتي بقي فيها بلطجية أشكال وألوان. الأخطر من ذلك, أننا وجدنا أن الحاكم الفعلي للميدان في ظل حالة الانفلات الأمني, هم سائقو الميكروباص ووصفها بالمملكة لا يأتي من فراغ, فهناك تستطيع أن تلحظ أن عدد سيارات الميكروباص أكثر بكثير من عدد المواطنين أنفسهم, والسيرفس عكس الاتجاه هناك بمثابة نمط حياة لسائقي هذه الميكروباصات.. الأهالي هناك يعانون أشد المعاناة سواء من المعاملة السيئة التي يلاقونها من السائقين, أو من ارتفاع سعد الأجرة في بعض الأحيان, وأحيانا من حال بعض السيارات المتهالكة التي يضطرون للركوب فيها لعدم وجودبديل لها. وهي سيارات في أحيان كثيرة بلا زجاج في النوافذ وبلا باب, وعادة يكون موتورها الأمامي مكشوفا مما يشكل خطورة علي حياة الركاب. تروي فاطمة شلبي موظفة معاناتها التي تواجها في رحلتها اليومية لاستقلال الميكروباص, حتي إنها اضطرت لدفع قيمة أعلي للأجرة واللي مش عاجبه ينزل ولأنه لايوجد بديل فتضطر فاطمة للدفع. كذلك يقول عوض محمد صاحب ميني ماركت بالميدان أنه عادة ما تنشب مشاجرات بين سائقي الميكروباص وبعضهم أو بينهم وبين الركاب, ولأن هؤلاء السائقين من متعاطي المواد المخدرة والكحوليات, فالنهاية بالطبع تكون مأساوية. أما تعرض السيدات والفتيات للمعاكسات والتحرش فحدث ولاحرج, فالازدحام الشديد الذي يشهده الميدان من الباعة الجائلين وسيارات الميكروباص تجعل من هذه الحالات عادات يومية لا يمكن أن يمر يوم بدونها, وقد رصدنا العديد من الألفاظ والايماءات التي يقوم بها عدد من الشباب تجاه الفتيات والنساء دونما رادع. احدي الفتيات تقول لنا إ ن الحل الوحيد لذلك خاصة مع تكراره هو دفاع كل فتاة عن نفسها, فهناك فتيات يضطررن لحمل أسلحة بيضاء في ملابسهن أو شنطة يدهن ليدافعهن بها عن أنفسهن في حال تعرضهن لأي اعتداء. حالة الانفلات كذلك تسببت في تراكم كمية كبيرة من القمامة أمام مجمع الخدمات الحكومية التابع لمحافظة الجيزة, وهو تجمع ظل طويلا دونما ازالة ويبدو أنه سيظل كذلك لفترة أطول. لم يسلم سلم مترو أنفاق الجيزة هو الآخر من الباعة الذين احتلوه بدءا من باب الخروج من المحطة وحتي نهاية السلم المؤدي لمحطة سكك حديد الجيزة وكذلك السلم المؤدي الي الشارع, فهناك بائعون للحلوي والسجائر, وبائعون لكروت شحن الموبايل وبائعون الفاكهة.