سبق وأن كتبت مقال بتاريخ15 ديسمبر2016 بعنوان تجربة القوات المسلحة وضبط آليات الإنتاج وتساءلت فيه لماذا لا يتم استغلال ثقة المواطنين في قواتنا المسلحة؟, لتصبح المنظم لآليات إنتاج اللحوم الحمراء والإنتاج الداجني؟ فهذا القطاع الحيوي الذي يمثل العمود الأساسي للأمن الغذائي للمواطنين وهو ما يرتبط بشكل مباشر بالأمن القومي للبلاد. فمن ينظر إلي الأرقام يتضح أن إنتاج مصر من اللحوم أو الدواجن ليس بالقليل, فنحن نغطي70% من حجم استهلاكنا للحوم الحمراء, ونغطي97% من حجم استهلاكنا من لحوم الدواجن. إلا أن الاحتكاك بالسوق ومشاهدة ما يحدث علي أرض الواقع, يؤكد أن هناك مشكلة جسيمة في إدارة آليات الإنتاج, انعكست علي انخفاض متوسط نصيب الفرد من البروتينيات الحيوانية. كما انعكس علي ارتفاع أسعارها, وهو الامر الذي يلقي بأعبائه المالية علي كاهل المواطن. ومن المعروف أن مشروعات الإنتاج الحيواني والداجني تنتمي إلي فئة المشروعات الصغيرة والمتوسطة, وتلك المنظومة تعاني الكثير من الترهلات المؤسسية التي تعيق نموها وتقف عائق أمام تنمية الاقتصاد القومي, وهو الأمر الذي يجعلها في انتظار من يأخذ بيدها. واقترحت استغلال التجربة الناجحة للشركة الوطنية لتنقل تجربتها لصغار المستثمرين في مجال تنمية وتسمين العجول والماشية والدواجن, وإنتاج اللحوم, علي أن يتم تخصيص جهة يتم من خلالها ضم من يرغب من هؤلاء المستثمرين للعمل تحت رعاية جهاز الخدمات وبإشرافه وتوجيهاته الفنية, وبالتالي نستغل الثقة في الجيش في زيادة إنتاجنا المحلي. ولم أكن أعلم أن قواتنا المسلحة تخطط لما هو أبعد من ذلك, لتوفر الأمن الغذائي للمواطنين, خاصة المتضررين منهم من الآثار السلبية لارتفاع الأسعار الناتج عن انخفاض قيمة العملة المحلية, والذي يعد انخفاض الإنتاج المحلي المتسبب الرئيسي فيه, نعم; توفير الإنتاج المحلي وعدم الاعتماد علي الواردات بشكل كبير هو الضامن للخروج من مأزق ارتفاع الأسعار. لذا سعت قواتنا المسلحة بالتنسيق مع الجهات المعنية, للتعرف علي حجم الاستهلاك والإنتاج المحلي والفجوة الغذائية من كل أصناف مصادر البروتينيات الحيوانية, بما في ذلك اللحوم الحمراء والدواجن والطيور والأسماكبأنواعها, بل ومساهمة المسطحات المائية في مصر في الإنتاج السمكي, وكمية وتكلفة الاستيراد لتلك الأصناف, وعملت علي التنفيذ الفعلي, وكل هذا في صمت, لتفاجئ الجميع بالإنجاز علي أرض الواقع. فقد تم الإعلان عن افتتاح العديد من المشروعات التكاملية لتنمية الثروة السمكية ببحيرة البردويل بشمال سيناء, ومشروع الاقفاص السمكية بشرق بورسعيد, بالإضافة إلي افتتاح عدد من المصانع والأعمال الميكانيكية والكهربائية بالمدينة السمكية الصناعية بغليون بكفرالشيخ علي مساحة4 الاف فدان تقريبا والتي شملت مصنع إنتاج اعلاف الأسماك والجمبري ومصنع لإنتاج العبوات مختلفة الأحجام ومصنع الثلج ومحطة صرف ومحطة معالجة لمياه الصرف ومحطة للكهرباء. لكن; لماذا تم اختيار تلك المنطقة؟ الإجابة تكمن في أن تلك المنطقة كانت وكرا للهجرة غير الشرعية, ومن المناطق الأكثر فقرا, وتم تنفيذ المشروع لتوفير آلاف فرص العمل لأبناء المحافظة, بدلا من مخاطر الهجرة غير الشرعية. فالتجمعات المتكاملة هي الضامن لتحقيق حياة كريمة للمواطن, وأري أنه يجب أن يكون التوجه نحو إنشاء تلك التجمعات من خلال توجه عام للدولة, من خلال اتباع استراتيجية متكاملة تأخذ في اعتبارها الجانب الصناعي والزراعي والتعليمي والتدريبي والتسويقي, بالإضافة إلي تقديم الائتمان, وتوفير المعلومات, والخدمات البحثية, والمؤسسية, وتشجيع المنتجين علي الابتكار في تقديم المنتجات الجديدة, بهدف جذب المستهلكين في الأسواق الداخلية والخارجية.