الفرق كبير بين سياسة حافة الهاوية وسياسة الهاوية, فعندما أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تصريحا يتوعد فيه كوريا الشمالية بالتدمير الشامل, ردت بأنها سوف تطلق الصواريخ علي أي طائرة أو سفينة حربية أمريكية حتي لو كانت خارج أجوائها أو مياهها الإقليمية, لأن تصريح الرئيس الأمريكي بمثابة إعلان حرب, فأدركت الإدارة الأمريكية أن تصريح ترامب تعدي سياسة حافة الهاوية إلي سياسة الهاوية, فأصدرت بسرعة بيانا تداركت فيه تصريحات الرئيس, وأكدت أنه لا يعني إعلان الحرب, ودعت إلي ضبط النفس وعدم التصعيد.. تكرر الأمر عندما قال وزير الدفاع الإسرائيلي ليبرمان إن وصول بعض القذائف الناجمة عن اشتباك الجيش السوري وحلفائه إلي داخل أراضي الجولان المحتل لم يكن حادثا عرضيا, وأن لديه معلومات أن الأمين العام لحزب الله اللبناني قد أصدر أوامره بإطلاق النار علي الجيش الإسرائيلي من داخل سوريا, لتجد القيادات العسكرية الإسرائيلية أنها في مأزق بسبب تصريح ليبرمان الذي تخطي حدود حافة الهاوية, لأنه سيفرض علي الجيش الإسرائيلي أن يرد بقوة علي النيران, لتشتعل حرب واسعة, ولهذا أصدرت المخابرات الإسرائيلية بيانا نفت فيه وجود أي معلومات بأن أوامر صدرت بتعمد إطلاق النار علي إسرائيل من سوريا, لتحتوي تصريح ليبرمان الذي كاد يحول سياسة حافة الهاوية إلي سياسة السقوط في الهاوية. هكذا يمكن أن تصبح مجرد كلمة إلي أداة تفجير حرب شاملة, لا يمكن التنبؤ بمداها أو نهايتها, ويزداد احتمال الإنزلاق إلي الهاوية مع كثرة الأزمات المتفجرة في المنطقة, والتي تشمل العراقوسورياولبنان واليمن وليبيا, وامتدت بظلالها إلي البحرين وقطر وتركيا وغيرها من دول المنطقة, التي تحولت إلي أكوام من البارود القابل للاشتعال في أية لحظة, وزحام غير مسبوق لأطراف متصارعة, تجوب طائراتها وصواريخها السماء, وتتداخل قواتها البرية علي الأرض, وسفنها وغواصاتها في الخليج بحر العرب والبحرين الأحمر والمتوسط. كثرة الأطراف المشاركة في الصراعات والزحام بمختلف القوات النظامية وغير النظامية, وتعدد مراكز اتخاذ القرار وتضاربها أحيانا يسهل التحول السريع وربما المفاجئ من سياسة حافة الهاوية إلي السقوط في الهاوية. لم تؤد هزيمة داعش إلي تخفيف درجة الاحتقان السياسي والعسكري في المنطقة, بل زادت من السباق المحموم علي ملء فراغ داعش, والسيطرة علي الأراضي التي ينسحب منها, لتتداخل خطوط التماس بين القوات المتنافسة, في ظل رغبة كل طرف إما في تعويض خسائره أو تعزيز انتصاره, بما يهدد باندلاع اشتباكات مباشرة, سرعان ما ستمتد علي الجبهات الواسعة والمتداخلة مثل الأواني المستطرقة, ليحدث زلزالا مدمرا يعصف بالجميع, لأن كل طرف لديه من الأسلحة ما يكفي لتحويل المنطقة إلي جحيم. هذا الوضع الخطير الذي لم يسبق أن شهدته المنطقة خلال الحروب مع إسرائيل, ولا أثناء الحربين العالميتين الأولي والثانية, ولا الحرب الباردة, يفرض أن تحاول كل الأطراف أن تتحلي ببعض الحكمة, وأن تكف عن التصعيد, وتفكر في تداعيات الإنزلاق إلي حرب شاملة, ليس فيها أطراف رابحة وأخري خاسرة, وأن تشرع في احتواء مناطق التوتر الشديدة, مثل الحرب اليمنية التي تقترب من إكمال عامها الثالث مخلفة هذا القدر الكبير من ضحايا القتل والجوع والكوليرا والدمار, والكف عن محاولات فتح جبهات جديدة في لبنانوالعراقوسوريا, والبدء في خطوات جدية للتوصل إلي حلول سياسية, قبل أن ينزلق الجميع من فوق حافة الهاوية.