تحيرت في اختيار عنوان هذا المقال استكمالا لما نشرناه سلفاعما يسمي بالتنقيب الشعبي في عرضنا لتحقيقات نشرتها إحدي الجرائد السيارة من شهر أغسطس الماضي و لم تحرنا وزارة الآثار ثمة إجابة . وفي هذا المقال نتناول الأمرين الخطيرين الأخرين في التحقيق المشار إليه, ويختص أحدهما بتجارة الآثار و تهريبها عبر مواقع التواصل الاجتماعي والآخر يختص بالحفلات الماسونية. الأمر الذي يشي حال صحة هذا الكلام بأن آثارنا باتت( ملطشة) علي كل الأصعدة, من جن راصد إلي تهريب( أون لاين) و حتي الطقوس الشاذة. لا سيما أنني فيما أعلم لم أطالع أي رد من الجهات المعنية بتراثنا الأثري أهليا أو رسميا و علي رأسها بالطبع وزارة الآثار في حكومتنا السنية. فإلي جانب ما ذكرناه عن التنقيب الشعبي يطالعنا التحقيق بوجود عصابات منظمة يمكن التواصل معها عبر النت من خلال مواقع ذكر التحقيق أشهرها و يسمي آثار فرعونية, حيث يتم عرض فيديوهات للبضاعة المتاحة من خلال سماسرة مع الإتفاق علي المبالغ المالية و التي بلغت2 مليون دولار حسبما جاء في التحقيق الصحفي. و لم يغفل التحقيق أن فتح المقابر المعنية يتم عن طريق تدخل أحد المشايخ تأكيدا لما ذكرناه عن التنقيب الشعبي, ليتم بعد ذلك إستخدام المعدات للعمل الداخلي!!. لتكتمل عناصر المأساة بنجاح العملية وإستخراج محتوياتها التي يتم تثمينها لتسويقها عبر مختص بهذا الأمر. وهكذا حسب العرض الصحفي تنجح تلك الجروبات السرية في أن تجعل لنفسها موطيء قدم إلكتروني لتلك التجارة المحرمة و المجرمة في آن واحد, لتكتمل الحلقة بعمليات التهريب في تناغم متكامل. و لو صحت هذه الوقائع الموجودة بالتحقيق الصحفي الخطير, لكان لزاما علي الجميع من المعنيين بالعمل الأثري مطالبة الجهات الرسمية باستجلاء الحقيقة إما بالإعتراف بالمأساة و كيفية مواجهتها أو إنكار الأمر و ما يستتبعه من إجراءات لحماية تراثنا من( العبث) الإعلامي. و في المجمل فإن إستخدام التقنية الحديثة في جرائم الآثار باتت إحدي الوسائل الأكثر ضمانا والأقل مخاطرة لأربابها من تجار عرضنا الحضاري. أما المثال الثاني فيرتبط بحلقة من سلسلة الهوس بالآثار( إيجيبتومانيا) و لكن هذه المرة علي يد جماعات( الحفلات الروحانية) حسب تعبير التحقيق الصحفي, و التي تتم داخل هرم خوفو بعد( التفاهم) مع المسئول بالموقع. و هنا يكمن خطر العرض و غرابته لما جاء فيه من إتهام مباشر بالفساد للمستأمنين علي آثارنا ثقة بهم, حيث لم يحرك أحد ساكنا حيال الإتهام أو الأمر برمته. و مما يثير الإستغراب أن تلك الأمور تتم بالإعلان عنها وفق رحلات منظمة بصحبة( كهان) خاصين بهم, أما عن الطقوس التي ذكرها التحقيق فحدث ولا حرج!!. إن هذه التحقيقات الثلاثة التي تناولناها علي مدي مقالين لا ينبغي أن تمر مرور الكرام علي ذوي المسئولية, حيث أن عدم الرد عليها إنما يعكس توجها مستغربا منهم. خاصة عندما تكون المطبوعة ذائعة الصيت أو واسعة الإنتشار. ونحن نعلم جميعا كم الإنتهاكات التي تتعرض لها آثارنا بل و الخزعبلات التي تحيط بها علي يد البعض بسبب الهوس أو الخلل العقيدي, و هو ما تصدي له القانون في المبدأ و المنتهي. في حين يبقي الموقف الرسمي للوزارة كحلقة ربط بين الحدث و القانون, بالرد أو التبليغ حال صحة هذه الأمور. أما هذا الصمت الرهيب الذي لا نجد له أي مبرر, فهو ما يحتاج موقفا بالفعل ممن نتوخي فيهم المسئولية لوضع الأمور في نصابها, حتي لا تنضم آثارنا إلي حلقة التشكيك في الثوابت التي باتت تشكل خطرا علي تشكيل الوجدان الوطني لأجيال المستقبل. فما ورثناه عن الأقدمين يظل دينا في أعناقنا ينبغي أن نسديه خالصا لأجيال مصر المستقبل.. فهل من مجيب؟ ( إشراقات السعدي141): من أكبر مآسينا أن تتحول أحلام اليقظة إلي غيبوبة مستدامة لا استفاقة لها.