مازالت الجزائر تعاني حتي الأن من رواسب ما يسمي بالعشرية الدامية وهي مأساة العشر سنوات التي شهدت فيها البلاد العديد من المجازر علي يد الإسلاميين المتشددين بعد منع النظام الحاكم لهم من دخول الانتخابات البرلمانية في تسعينيات القرن الماضي, وكان تأثير هذه المأساة هي طريق الفنانة الجزائرية الشابة لينا قوادري للحصول علي جائزة أفضل ممثلة في مسابقة أورزونتي في الدورة74 لمهرجان فينسيا السينمائي الدولي عن فيلم السعداء للمخرجة صوفيا دجاما. تدور أحداث الفيلم في عام2008 بعد انتهاء العشرية الدامية والتي مازالت اثارها واضحة علي نفوس وحياة الجزائريين, وتقوم لينا في الفيلم بدور فريدة مراهقة تعيش بمفردها مع أبيها وتحب زيارة شخص مسئول في الدولة فقد أسرته بالكامل لأنه يخفف عنها من مأساتها هي أيضا حيث فقدت أمها في المذابح بينما تعرضت هي نفسها لمحاولة ذبح تركت علامة واضحة في رقبتها, ولها صديقان هما رضا وأمين الأول متدين علي طريقته تنتقده فريدة علي تدينه الزائد ويهاجمه المتشدوون لأنه يري الدين بنظرة مختلفة عنهم, أما أمين فهو يعاني حالة من الضياع بسبب تأثير والديه اللذين فقدا الأمل في تغير الأوضاع, فالأم اصبحت مريضة بالقلق من كل شيء وتولد لديها رعب من تكرار المجازر التي شهدتها علي يد المتشددين وتتمني لابنها أن يجد فرصة للخروج من البلاد باية طريقة, والأب طبيب يعمل بعمليات سرية مشبوهة مثل الاجهاض في السر وعلاقته بابنه متوترة. قالت لينا قوادري للأهرام المسائي أن هذا الفيلم قريب من قلبها وتعتبره فيلمها السينمائي الأول علي الرغم من أنها شاركت في فيلم أخر قبله بشهر تقريبا, حيث أنه أول فيلم جزائري, مشيرة إلي أنها تعيش حاليا خارج الجزائر لكنها جزائرية وولدت هناك وأسرتها بالكامل تعيش هناك, لهذا احبت السيناريو عندما قرأته لأول مرة لأنه يعبر عن جيلها, ولم تري فيلما يعبر عن الجزائر مثله من قبل. وأضافت أحداث الفيلم تدور في عام2008 والشخصيات ترجع لفترة أقدم بعشر سنوات لكنهم من نفس عمرها, لذلك استطاعت أن تفهم مشاعرهم وكنت مهتمة بالتعبير عن هذه المشاعر, مضيفة الشخصية التي قمت بدورها قريبة مني حتي لو كان الفارق بيننا عشر سنوات, لأن بالنسبة لي الحالة الراهنة في الجزائر لم تتغير كثيرا عما كانت عليه الأحوال في عام.2008 بينما تقول المخرجة صوفيا دجاما أنها اختارت عام2008 بالتحديد لأنه توقيت مهم في الجزائر, فهو يعبر عن أحوالها بعد مرور20 عاما علي الثورة في أكتوبر1988 بالرغم من كونها مرحلة فاصلة في تاريخ الجزائر إلا أنها كانت سببا في اندلاع الحرب الأهلية فيما بعد, الثورة كانت نهاية مرحلة وراح في سبيلها عدد من الضحايا حيث كان الناس يقتلون علي يد الجيش اثناء سيرهم في الشوارع. واضافت أنها ارادت في الفيلم أن تتبع الاثار التي خلفتها العشرين سنة من عام1988 وحتي2008 علي الزوجين والد ووالدة أمين وعلي جيل أمين وفريدة ورضا, فنري كيف عاش الزوجين هذه الفترة وتأثيرها علي حياتهم وطريقة تفكيرهم فاصبح هذا الجيل يعيش حالة من' خيبة الأمل', مشيرة إلي أنها اختارت2008 أيضا لأنه العام الذي تم فيه تعديل الدستور لكي يسمح للرئيس عبد العزيز بوتفليقة بالترشح لفترة رئاسية ثالثة وبالتالي هذا التعديل في الدستور كان سببا في عواقب سياسية واثر علي الناس. وأكدت أنها ركزت في الفيلم علي حياة الناس لأن السياسة والقرارات التي يتخذها السياسيون لها تأثيرها المباشر علي حياتنا الخاصة, لهذا اهتممت بالتركيز علي الناس والمواطنين العاديين, لكننا نري في الخلفية ومن حولهم تفاصيل لها علاقة بالقرارات السياسية, مثل الاجراءات الأمنية التي يتم الاعلان عنها, ونسمع في الراديو عن أخبار هجمات علي مدرسة الدرك ووقوع أكثر من30 ضحية, فنشعر في الخلفية بتوتر سياسي يعطينا لمحة عن الحالة الراهنة والرواسب التي تؤثر علي المجتمع, مشيرة إلي أن الهجوم علي مدرسة الدرك' البوليس' اصبح جزءا من الحياة اليومية, لهذا مشهد المقابر مهم وله صدي سياسي علي حياة بطلة الفيلم الشابة' فريدة' ويعبر عن حال المجتمع والعائلات التي ما زالت تعاني من مجازر مثل مجزرة' بن طلحة' التي وقع فيها أكثر من200 قتيل تم ذبحهم بلا رحمة, وفريدة نفسها واحدة من ضحايا هذه المجازر التي رسخت في ذاكرة الجزائريين. وتقول صوفيا عن اختيارها لاسم الفيلم' السعداء',' اختياري للاسم هذه المرة كان غريبا جدا لأن عادة أبدأ بالاسم باللغة الفرنسية ثم أترجمه للعربية والانجليزية, ولكن لأول مرة في هذا الفيلم اختار الاسم بالعربية ثم اترجمه, وهو اسم ساخر تماما بالطبع, لأن الشخصيات في الفيلم ليست سعيدة ولكن معناه هو أننا نحاول أن نكون سعداء وأعرف أن الاسم باللغة الانجليزية'Theblessed لا يعطي نفس المعني بالضبط, ولكن اعتقد أن الاسم في الفرنسية هو الأدق والأقرب لما اردت قوله فهوLesBienheureux ومعناه يجمع بين معني الاسمين العربي والانجليزي المباركة والسعادة, ويعبر عن ضرورة التفاؤل علي الرغم من الاحساس بالهزيمة وخيبة الأمل, لأننا عندما نتوقف عن المقاومة لن نحصل علي أية نتيجة وإنما سنظل نشحن انفسنا بطاقات سلبية, واري الكثير من الجزائريين الأن محملين بكم كبير من الطاقة السلبية ويرون أنه لا يوجد اي جدوي من القيام باي فعل لتحسين الأوضاع وهذا فعل شخص متشاؤم تجاه المستقبل لابد أن نمنح أنفسنا فرصة.