أبو المواهب عبد الوهاب بن أحمد علي الشعراني, نسبة إلي قرية ساقية أبي شعرة بالمنوفية, ولد سنة898 ه, ولكن سرعان ما توفي أبوه وأمه, وسافر إلي القاهرة سنة910 وأقام في مسجد أي العباس الغمري سبعة عشر عاما, يتعلم ويعلم ويتهجد ويتعبد.. واتصل بصفوة العلماء مثل جلال السيوطي وزكريا الأنصاري وناصر الدين اللقاني, والرملي والسمنودي, ودرس عليهم الفقه والأصول والتصوف والحديث والتفسير والأدب حتي غدا بحرا ذاخرا لا تدرك أبعاده. انصرفت همته إلي سلوك أهل التصوف وتردد عليهم وفتح الله عليه بالشيخ علي الخواص فكان معراجه وسلمه, وعلي يديه أصبح إمام عصره علما وذوقا.. ويحذر الشعراني من قراءة كتب العارفين إلا لعالم كامل أو من سلك طريق القوم, ومما يقع فيه كثير من الناس قولهم: يا من يرانا ولا نراه, وقولهم: سبحان من كان العلا مكانه ونحو ذلك مما لا يجوز التلفظ به لما يورثه من الإيهام عند العوام, ولهذا يحذر من قراءة كتب ابن عربي, وابن سبعين فقيها ما يوهم الحلول والاتحاد والتشبيه, وأقوال عمر بن الفارض في قصيدته النائية والجمهور قال بجوز تأويلها. ودافع الشعراني عن ابن عربي وأوضح ما يريد من أقواله, مثل: حدثني ربي عن قلبي أو حدثني ربي عن نفسه بارتفاع الوسائط فقال: ليس مراده أن الله تعالي كلمه كما كلم الأنبياء, وإنما أن الله تعالي يلهمه علي لسان ملك الإلهام بتعريف بعض الأحوال. وكتاب المنن للشعراني من أفضل وأشرف كتب الأخلاق ويوضح فيه معالم الآداب الإسلامية, وكتاب لواقح الأنوار القدسية في بيان العهود المحمدية. وهو طرح لمعتقداته مما يمكن أن يكون نبراسا للصوفي, ومثلا حيا له في الأخلاق باعتبار الرسول هو المثل الأعلي لكل مسلم, ويقول في مقدمته!.. الباعث علي تأليفه ما رأيته من تنافس الإخوان علي ما ينقصهم من دنياهم, ولم أر أحدا يفتش علي ما ينقصه من أمور دينه. وفضح الشعراني الدجالين والمشعوذين من مدعي التصوف في كتابه الطبقات فقد رأي فيهم البلاء, وتعقب شيوخ عهده مظهرا جهلهم وكفرهم وسوء أدبهم. ويدعو الشعراني الصوفي الحق إلي العمل وأن تكون له حرفة يتعيش منها, ولا يكون من المتبطلين, وينتقد الفقهاء الذين يعلمون كثيرا ولا يعملون بما يعلمون ولا يحضون علي الفضيلة وينهون عن المنكر.. ويقول: إن عداءه للصوفية والفقهاء الذين ليسوا علي الجادة, ما ألب عليه هذه الفئات, فكادوا له وأضافوا إلي مقدمات كتبه ومتونها إضافات تخالف ظاهر الشريعة, واستفتوا عليه زورا وبهتانا, واستعدوا عليه الحاكم, وأخيرا لجأوا إلي محاولة اغتياله في الطريق ثم دسوا له السم, فمات بتدبيرهم.. وكانت آخر كلماته: أنا ذاهب إلي ربي الرحيم الكريم وفي حياته صار الأمير حسن بك صنجق من مريديه, وبني له ضريحا من خالص ماله, وبعد وفاته أصبحت زاوية الشعراني منارة إسلامية, ومثابة للعلماء, ومنبرا للدعوة والإرشاد, وساحة للذكر والعبادة, ورواقا يضم المريدين ويؤوي السالكين, وأثري المكتبة الإسلامية بعدد كبير من كتب التصوف. يذكر علي باشا مبارك في موسوعته الخطط التوفيقية أنه رأي عنها سبعين كتابا منها الأجوبة المرضية عن أئمة الفقهاء والصوفية و.. الأنوار القدسية في معرفة آداب العبودية وبهجة النفوس والأسماع والأحراق فيما غير به القوم من الآداب والأخلاق وتنبيه المفترين في آداب الدين والجواهر والدرر الكبري, ودرر الغواص من فتاوي الشيخ علي الخواص والقواعد الكشفية في الصفات الإلهية, والكبريت الأحمر في علوم الشيخ الأكبر, لواقح الأنوار في طبقات الأخيار مجلدات.. ومدارك السالكين إلي رسوم طريق العارفين ومشارق الأنوار والمنح السنية واليواقيت والجواهر في عقائد الأكابر. ويقول الشعراني إن ما دعاه إلي كتابة هذه الكتب هي الحالة المتردية التي كان عليها التصوف في زمنه.