من يتابع أحداث منطقتنا العربية في الآونة الأخيرة قد يشعر بقدر غير قليل من العجز عن الفهم أو المتابعة بسبب حركة التحالفات السريعة والمتغيرة في كل اتجاه, فكثرة الأزمات والانهيارات التي صاحبت وأعقبت ما سمي بالربيع العربي أخذت تدفع بالمنطقة العربية نحو معادلات جديدة, فلم تعد القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للعالم العربي ولم يعد الصراع العربي الإسرائيلي هو الصراع الأساسي الذي تتحدد بناء عليه المواقف أو تتشكل المحاور وإنما بدأ الانقسام يتشكل علي أساس صراع جديد سوف يهلك الحرث والنسل, هو الصراع السني الشيعي الذي يخترق العالم العربي من الداخل, وينزلق به إلي الدمار الذاتي والاقتتالي الداخلي. وبناء علي ما سبق أصبحت دول طامحة مثل إيران بمشروعها القومي الفارسي المتدثر العباءة الشيعية والإعداد لظهور المهدي المنتظر, وتركيا بأحلامها التوسعية المبنية علي استعادة أوهام الخلافة العثمانية.. أصبحت هذه الدول من الفاعلين المهمين في صياغة الأزمات العربية وحروبها الأهلية. واستدعي ذلك تدخلات مباشرة من قوي دولية علي غرار ما حدث من تشكيل ما سمي بالتحالف ضد داعش, ومن تدخل روسي في الأزمة السورية. وعلي هذا المنوال بدا لفترة من الوقت أن التفاعلات تسير في هذا الفلك, إلا أن التغيير الذي حدث مع مجيء إدارة ترامب, دفع بالأحداث إلي مسارات جديدة, بعضها قد يتقاطع مع ما هو قائم, والبعض الآخر قد ينتج عنه ما يمكن وصفه بالقطيعة التي تتجه بالأحداث إلي مسارات مختلفة كليا أو جزئيا. والشاهد علي ذلك الأزمة القطرية التي انفجرت في أعقاب قمة الرياضالأمريكية العربية الإسلامية, حين عاد التحالف الرباعي المصري السعودي الإماراتي البحريني إلي التماسك من جديد, وتخطي ذلك إلي دائرة الفعل المبادر, وفي المقابل سينتج ذلك أثره المباشر علي الأوضاع في ليبيا وفي التحركات السودانية التي اتسمت بالرعونة والتصعيد في اتجاهات عدة مؤخرا, كما سينعكس أيضا علي المواقف من الأزمة السورية وربما اليمنية أيضا في وقت لاحق.. إلا أن الأثر الأكثر أهمية هو الموقف من العلاقة مع إسرائيل وتسوية القضية الفلسطينية, حيث تدور الآن اتصالات غامضة تمهد لحلول أيضا تتسم حتي الآن بالغموض والتكتم.. والمحور الثاني هو ما يتعلق بالموقفين التركي والإيراني من المقاطعة المفروضة علي قطر, والتي تشير حتي الآن إلي اختلاط نسبي للأوراق, حيث يتبلور اصطفاف جديد سني شيعي هذه المرة لمساندة قطر, وبالتوازي معه يمكن ملاحظة مواقف الجزائر والمغرب وبعض الدول الغربية التي تتخذ مواقف غير مفهومة الدوافع بشكل واضح تجاه الأزمة القطرية, حيث الإشارات المتكررة بعدم الارتياح للضغط الذي تتم ممارسته ضد ازدواجية قطر ودعمها العلني والسري للإرهاب وقوي التطرف. وهكذا فإن هناك تحالفات تنفض وأخري تنعقد والبعض الآخر يبقي قائما يحمل تناقضاته داخله, إلا أن كل الملفات أو الأزمات أو القضايا المطروحة مثلها مثل الأواني المستطرقة تؤثر وتتاثر ببعضها البعض حتي لو لم تكن هذه العلاقة ظاهرة علي السطح, إلا أنها بالتأكيد تتفاعل في الساحات الخلفية وفي الجزء الغاطس من هذه الأزمات الكبري التي لن تعيد صياغة المنطقة فقط, بل ستتعدي ذلك إلي إعادة تشكيل موازين القوي العالمية والدولية.