يقول الإمام علي كلمات لو وزنت بالذهب لرجحته, فهو صبي الإسلام وبطله, عرف الله فعلمه, وخافه ففقهه, واتصلت روحه بالله, فرأي هشاشة الدنيا ونعم الآخرة, رأي الله في كل ما حوله في الحياة, رآه في الزهرة الباسمة, في قطرات الغيث, في دمعة اليتم, وعلم أن من مشي إلي الله شبرا. مشي الله إليه ذراعا, ومن أتاه يمشي أتاه الله هرولة, عرف الله كما ينبغي أن يعرفه, رحيما لا حدود لرحمته, ودودا لا منتهي لمودته, بارا.. لا يغيض بره.. يقول الإمام علي: طوبي لنفس أدت إلي ربها فرضها, وعركت بجنبها بؤسها, وهجرت في الليل وهجرت في الليل غمضها, حتي إذا غلب عليها الكري, افترشت أرضها, وتوسدت كفها, في معشر أسهر عيوهم خوف معادهم, وتجافت عن مضاجعهم جنوبهم, وهمهمت بذكر ربهم شفاههم. وتقشعت بطول استغفارهم ذنوبهم( أولئك حزب الله, ألا إن حزب الله هم المفلحون). ومن كتاب للإمام علي رضي الله عنه إلي بعض عماله: أما بعد استعن بالله علي ما أهمك, واخلط الشدة بضغث من اللين, وارفق ما كان الرفق أرفق, واعتزم بالشدة حين لا يغني عنك إلا الشدة, واخفض للرغبة جناحك, وأبسط لهم وجهك, وألن لهم جانبك, وآسي بينهم في اللحظة والنظرة والإشارة والتحية حتي لا يطمع العظماء في حيفك, ولا ييأس الضعفاء من عدلك والسلام. وفي رسالة مطولة لأحد ولاته يقول: إياك والدماء وسفكها بغير حلها, فإنه ليس شيء أدني لنقمة, ولا أعظم لتبعة, ولا أحري بزوال نعمة وانقطاع مدة, من سفك الدماء بغير حقها, والله سبحانه مبتدئ بالحكم بين العباد فيما تسافكوا من الدماء يوم القيامة, فلا تقوين سلطانك بسفك دم حرام, فإن ذلك مما يضعفه ويوهنه, بل يزيله وينقله, ولا عذر لك عند الله ولا عندي في قتل العمد, لأن فيه قود البدن, وإن ابتليت بخطأ وأفرط عليك سوطك, أو سيفك أو يدك بالعقوبة, فإن في الوكزة فما فوقها مقتلة, فلا تطمئن بك نخوة سلطانك عن أن تؤدي إلي أولياء المقتول حقهم. وإياك والإعجاب بنفسك, والثقة بما يعجبك منها, وحب الإطراء, فإن ذلك من أوثق فرص الشيطان في نفسه ليمحق ما يكون من إحسان المحسنين وإياك والمن علي رعيتك بإحسانك أو بالتزيد فيما كان من فعلك, أو أن تعدهم فتتبع موعدك بخلفك, فإن المن يبطل الإحسان, والتزيد يذهب بنور الحق, والخلف يوجب المقت عبد الله والناس, قال تعالي: كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون.- من كتاب أمير المؤمنين عبد الله علي بن أبي طالب إلي عبد الله بن عباس عند استخلافه البصرة قال: سع الناس بوجهك, ومجلسك وحكمك, وإياك والغضب, فإنه طيرة من الشيطان, واعلم أن ما قربك من الله يباعدك من النار, وما باعدك من الله يقربك من النار. وسئل الإمام علي عن الإيمان فقال: الإيمان علي أربع دعائم, الصبر, واليقين, والعدل, والجهاد. والصبر منها علي أربع شعب, علي الشوق والشفق, والزهد والترقب: فمن اشتاق إلي الجنة سلا عن الشهوات, ومن أشفق من النار اجتنب المحرمات, ومن زهد في الدنيا استهان بالمصيبات, ومن ارتقب الموت سارع إلي الخيرات.. واليقين منها علي أربع شعب, علي تبصرة الفطنة, وتأول الحكمة, وموعظة العبرة, وسنة الأولين: فمن تبصر في الفطنة تبينت له الحكمة, ومن تبينت له الحكمة عرف العبرة, ومن عرف العبرة فكأنما كان في الأولين. والعدل منها علي أربع شعب: علي غائض الفهم, وغور العلم, وزهرة الحكم, ورساخة الحلم: فمن فهم علم غور العلم, ومن علم غور العلم صدر عن شرائع الحكم, ومن حلم لم يفرط في أمره وعاش في الناس حميدا. والجهاد منها علي أربع شعب: علي الأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر والصدق في المواطن, وشنآن الفاسقين, فمن أمر بالمعروف شد ظهور المؤمنين, ومن نهي عن المنكر أرغم أنوف الكافرين, ومن صدق في المواطن قضي ما عليه, ومن شنئ الفاسقين وغضب لله, غضب الله له وأرضاه يوم القيامة.