في طريق السالكين تبقي الرؤية الصالحة والدعاء رافدين أساسيين من روافد الطريق, وكان الصديق أبو بكر رضي الله عنه, يري أن الرؤيا حق, وكان يجيد تأويلها, وكان يقول إذا أصبح: من رأي رؤيا صالحة فليحدثنا بها.. وكان يقول: لأن يري رجل مسلم مسبغ الوضوء رؤيا صالحة أحب إلي من كذا, وكذا. ومما عبر صلي الله عليه وسلم.. عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رجلا أتي رسول الله فقال: اني رأيت الليلة في المنام ظلة تنظف السمن, والعسل, فأري الناس يكفون فيها, فالمستكثر والمستقل.. وإذا سبب واصل من الأرض إلي السماء.. فأراك أخذت به فعلوت, ثم أخذ به رجل آخر فانقطع, ثم وصل. فقال أبوبكر: يا رسول الله بأبي أنت, والله لتدعني فأعبرهما, فقال النبي صلي الله عليه وسلم: اعبرها قال: أما الظلة فالإسلام, وأما الذي ينظف من العسل والسمن فالقرآن, حلاوته تنظف, فالمستكثر من القرآن والمستقل وأما السبب الواصل من السماء إلي الأرض فالحق الذي أنت عليه, تأخذ به, فيعليك الله, ثم يأخذ به رجل آخر فيعلو به, فأخبرني يا رسول الله بأبي أنت, أصبت أم أخطأت؟ قال النبي صلي الله عليه وسلم: أصبت بعضا وأخطأت بعضا قال: فوالله لتحدثني بالذي أخطأت. قال: لا تقسم. وعن عائشة رضي الله عنها: أنها رأت كأنه وقع في بيتها ثلاثة أقمار, فقصتها علي أبي بكر, وكان من أعبر الناس فقال: إن صدقت رؤياك ليدفنن في بيتك من خير أهل الأرض ثلاثة, فلما قبض النبي( صلي الله عليه وسلم) قال: يا عائشة هذا خير أقمارك. دعاؤه وشدة تضرعه إن الدعاء باب عظيم, فإذا فتح للعبد تتابعت عليه الخيرات, وانهالت عليه البركات, ولذلك حرص الصديق علي حسن الصلة بالله, وكثرة الدعاء, كما أن الدعاء من أعظم وأقوي عوامل النصر علي الأعلاء, قال تعالي: وقال ربكم ادعوني استجب لكم, ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين( غافر60) وقال تعالي: وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون( البقرة186) ولقد لازم الصديق رسول الله, ورأي كيف كان يستغيث رسول الله بالله تعالي, ويستنصره ويطلب المدد منه, وقد حرص الصديق علي أن يتعلم هذه العبادة من رسول الله, وأن يكون دعاؤه وتسبيحه علي الصيغة التي يأمر بها رسول الله ويرتضيها. جاء في الصححين أن أبا بكر رضي الله عنه قال: يا رسول الله علمني دعاء أدعو به في صلاتي: قال: قل: اللهم اني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت, فاغفر لي مغفرة من عندك, وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم. وجاء في السنن عن أبي بكر رضي الله عنه قال: يا رسول الله علمني دعاء أدعو به إذا أصبحت, وإذا أمسيت, فقال: قل: اللهم فاطر السموات والأرض, عالم الغيب والشهادة, رب كل شيء ومليكه, أشهد أن لا إله إلا أنت, أعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان وأن أقترف سوءا, أو أجره إلي مسلم, قله إذا أصبحت, وإذا أمسيت وإذا أخذت مضجعك. وكان أبوبكر دائم الذكر لله تعالي, شديد التضرع, كثير التوجه لله, لا ينقطع عن الدعاء في كل أحيانه, وقد نقل إلينا بعض أدعيته وتضرعاته ومنها: أسألك تمام النعمة في الأشياء كلها. والشكر لك عليها حتي ترضي وبعد الرضا, والخيرة في جميع ما تكون إليه الخيرة, بجميع ميسور الأمور كلها, لا بمعسورها يا كريم! وكان يقول في دعائه: اللهم إني أسألك الذي هو خير لي في عاقبة الخير, اللهم اجعل آخر ما تعطيني من الخير رضوانك والدرجات العلي من جنات النعيم. ويقول: اللهم أجعل خير عمري آخره, وخير عملي خواتمه, وخير أيامي يوم ألقاك. وإذا ما مدحه أحد قال: اللهم أنت أعلم بي من نفسي, وأنا أعلم بنفسي منهم, اللهم اجعلني خيرا مما يظنون, واغفر لي ما لا يعلمون, ولا تؤاخذني بما يقولون.