انطلق من مصر قطار الإصلاح الاقتصادي, ولن يستطيع أحد أن يعرقل مسيرته, أو أن يقف في وجهه, ومن يجرؤ علي الوقوف في وجه قطار يجري بأقصي سرعته, في محاولة للوصول بالدولة الكبري التي سبقته إلي بر الامان الاقتصادي. وفي سبيل تحقيق التنمية الاقتصادية, تلجأ كثير من الدول إلي الاقتراض الخارجي, وأحد مصادر الاقتراض التي قد تلجأ إليها الدول هو صندوق النقد الدولي, وفي سبيل الحصول علي قرض الصندوق تتبع الدول برنامجا إصلاحيا, والذي وفقا لخطواته تتجه الدول التي تقبله نحو تحقيق التنمية الاقتصادية, ويعقب قبول تطبيق خطوات الإصلاح الاقتصادي وبرنامجه, عمل تقييم ومراجعة لخطوات الاصلاح التي اتبعتها الدولة بشكل دوري, وبناء علي تلك المراجعة يتم قبول أو رفض صرف الشرائح التالية للقرض, واقتراح إجراء الإصلاحات المطلوبة, فهو أشبه بروشتة الطبيب, وبعثات التقييم أشبه بالمتابعة الدورية. فتلك الخطوات تدركها جيدا الدول التي تقبل الخوض في البرامج الاقتصادية, وتتمثل في الحد من التدخل الحكومي في الشئون الاقتصادية, وإعادة توجيه الإنفاق العام من الدعم العشوائي إلي الاستثمار في البنية التحتية, والإصلاح الضريبي, وحرية الأسواق, وتحرير التجارة, وحرية الاستثمارات, والخصخصة, وحرية المنافسة, وتعويم سعر صرف العملة المحلية بحيث يعكس القوة الاقتصادية للدولة. ومتي بدأت الدول في تطبيق تلك البرامج تباعا بهدف تحقيق التنمية المنشودة, والتي بناء عليها تأتي بعثات من صندوق النقد الدولي, لمتابعة الإجراءات الإصلاحية التي تتبعها الدولة الراغبة في تحقيق هذا الإصلاح الاقتصادي, تلك المراجعات تعمل علي رصد نتائج توضح مدي استجابة السوق المحلية لتلك الإصلاحات, خاصة مستويات الأسعار ومعدلات التضخم, وبناء علي ذلك توصي بعدد من الإجراءات المكملة التي من شأنها تدعيم الإجراءات الإصلاحية. وهذا ما حدث مع مصر, جاءت بعثة الصندوق ورصدت نتائج الإصلاح وتأثيرها علي مستويات الأسعار, وأظهرت ارتفاع معدلات التضخم لنحو غير مسبوق, إذ وصل معدل التضخم إلي أكثر من32%, وهو الأمر الذي يستوجب مقابلته بإجرءات تقشفية من شأنها تقليص حدة الارتفاع في الأسعار وسحب السيولة إن وجدت, وبناء عليه فقد تم اتخاذ قرار برفع أسعار الفائدة علي الإيداع والإقراض بنسبة2% في محاولة لكبح جماح ارتفاع معدلات التضخم. قوبل هذا القرار بعاصفة عكسية من السادة الخبراء المصرفيين ورجال الأعمال, تركزت الآراء حول أثر زيادة سعر الفائدة, علي رفع الدين العام, ومن ثم الأثر السلبي علي الاقتصاد وخفض معدلات النمو المتمثل في ارتفاع تكلفة الاستثمار في المشروعات كبيرة الحجم, وهو نتيجة طبيعية لارتفاع أسعار الفائدة والذي ينعكس أثره علي زيادة أعباء خدمة الدين, ومن ثم الأعباء التي سيتحملها رجال الصناعة خاصة أصحاب المشروعات الكبيرة منهم, إلا أنه تم الإبقاء علي أسعار فائدة القروض للمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر والمتوسطة دون مساس, وكذلك العائد علي شهادات الإدخار. وبالتالي فإن هذا القرار لن يمس أصحاب المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة, ويدعمه توجهات الحكومة بمبادرات لتمويل مشروعات بالتعاون مع هيئة التنمية الصناعية, بالإضافة إلي استهداف تنمية عدد من القطاعات الصناعية, من خلال إطلاق عدد من المشروعات الإنتاجية والمدن الصناعية مثل مدينة الأثاث ومدينة الروبيكي وهو الأمر الذي يؤكد اعتزام الحكومة تقليص الآثار السلبية التي ستتحملها الاستثمارات المحلية الكبيرة والناتجة عن رفع أسعار الفائدة, ويتبقي لنا الإسراع في خطوات إصدار اللائحة التنفيذية لقانون الاستثمار حتي تتحقق الاستفادة المرجوة المتمثلة في تشجيع الاستثمارات الداخلية والخارجية, وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية خاصة الخليجية.