منذ نحو شهر يعتصم سكان منطقة الكامور في تونس ويعرقلون حركة سير الشاحنات نحو حقول النفط والغاز في ولاية تطاوين الحدودية القريبة من ليبيا للمطالبة بما يسمونه تقاسم أفضل للثروات وتوظيف أعداد من العاطلين عن العمل في حقول النفط في المنطقة. وتطورت الأمور بشكل ينذر بمزيد من التوتر ويضع تونس بأكملها علي سطح صفيح ساخن. وقد لقي متظاهر تونسي مصرعه بعدما صدمته سيارة تابعة للحرس الوطني( الدرك) عن طريق الخطأ. كما نقل حوالي50 شخصا إلي المستشفيات للعلاج من الاختناق بالغاز المسيل للدموع او الكسور بعد صدامات مع قوات الجيش و الشرطة. وهذه هي المرة الأولي التي يطلق فيها الجيش النار منذ أن كلفه الرئيس الباجي قائد السبسي في العاشر من مايو الجار بحماية حقول النفط والغاز ومناجم الفوسفات من أي تحركات احتجاجية قد تعطل إنتاجها. ولعل أبرز ما يلفت الانتباه عند الدخول إلي جنوبتونس وقرب الحدود مع ليبيا, عبارة باتت شهيرة بين المحتجين وهي الرخ لا وتعني لا تراجع, وقد كتبت علي أغلب المحال التجارية وجدران المنازل ورفعت علي الخيام لتكون الشعار الأكثر ترديدا بين المحتجين وأهالي المنطقة. وفي تونس العاصمة يتجمع العشرات وسط مواكبة كثيفة للشرطة قرب وزارة الداخلية تنديدا بالعنف في الكامور ورفعوا شعارات منددة بالوزارة وداعمة لتطاوين. ويطالب المحتجون بتشغيل ألفين من العاطلين في تطاوين التي تشهد أكبر نسبة بطالة في البلاد بما يفوق32 بالمائة بحسب إحصائيات2016, بالشركات النفطية, وتخصيص نسب من عائدات الشركات لتمويل مشاريع تنموية في تطاوين. في المقابل عرضت الحكومة ألف فرصة عمل فورية في الشركات النفطية وخمسمائة فرصة عمل أخري في العام المقبل, إلي جانب ألفي فرصة عمل في شركة بيئية حكومية مع تخصيص50 مليون دينار للتنمية في تطاوين, لكن جانبا من المحتجين رفض العرض الحكومي. وتفيد بيانات رسمية بأن إنتاج النفط في البلاد تراجع من مائة ألف برميل إلي40 ألفا في اليوم, بينما لا تبلغ نسبة تغطية احتياجات السوق المحلية60 بالمائة. وتواجه حكومة الوحدة برئاسة يوسف الشاهد منذ تولي مهامها قبل اقل من عام موجة استياء اجتماعي متفاقمة خصوصا في مناطق الداخل. وتمثل الاحتجاجات تحديا آخر لرئيس الوزراء يوسف الشاهد الذي تكافح حكومته لتنفيذ إصلاحات حساسة تتعلق بالدعم والإنفاق العام يطالب بها صندوق النقد الدولي ومؤسسات إقراض أخري للمساعدة في تحقيق الاستقرار للنمو الاقتصادي. وقد شهدت تونس اكبر موجة احتجاجات اجتماعية في يناير الماضي بعد ثورة2011 التي أطاحت بنظام زين العابدين بن علي, تخللها مصرع متظاهر شاب في أثناء احتجاجات للحصول علي عمل في القصرين بغرب البلاد. ويبدو إرسال الجيش إلي منطقة الجنوب التي واجهت اضطرابات بسبب الوظائف ونقص الاستثمارات كل عام تقريبا منذ عام2011 محملا بمزيد من المخاطر, حيث يحذر الحقوقيون من أن تدخل قوات الجيش ربما يسفر عن اتساع رقعة العنف ويبدو ككرة اللهب المتدحرجة والتي تهدد الشمال.. يضاف إلي هذا أن أهالي الجنوب يشعرون بأن الحكومة تخلت عنهم, حسب ما يرددون في تظاهراتهم المستمرة. أما أحزاب المعارضة فتري أن إرسال الجيش للجنوب يبعث برسالة بالغة الخطورة وينطوي علي قدر متزايد من الاستفزار. وربما يفتح الباب علي مصراعيه نحو توتر اجتماعي مع شبان لا يطلبون سوي حياة أفضل, حسب وصف عدنان منصر القيادي بحزب حراك تونس الإرادة المعارض. ومع توالي الأحداث تبدو الكرة في ملعب ناشطي الجنوب الذين يؤكدون التمسك بشعار الرخ لا خاصة في ولاية تطاوين الحدودية مع ليبيا. يقول الناشطون إن شعار الرخ لا يعبر عما يشعر به المحتجون الذين صبروا أكثر من60 سنة لتحقيق مطالبهم دون جدوي حيث تعاملت الدولة مع المحتجين كما يؤكدون بمنطق حراس الدولة باعتبارهم من مناطق حدودية.