يتملكني شيء من الجنون كلما فكرت في أنني دمرت حياتي بيدي واخترت لنفسي رجلا كان الشيطان بعينه امتهن كرامتي طوال عشرته لي, ولم يكتف بذلك بل قتل الأمل الأخير لي في الحياة وحرمني من ابني بقلب هو الحجر في غلظته....! ربما كانت مأساتي مع زوج سادي الطباع وراء اليأس الذي أحاط بي و شعرت في وقت ما من حياتي أني لم أعد أرغب في العيش وأن الدنيا علي رحابتها ليس لي مكان فيها ولولا أن القلب عامر بالإيمان لكنت قد تخلصت من هذه الحياة القاتمة... بضع سنوات مضت علي ذلك اليوم الذي رأيته فيه, كان دمث الخلق له حضور طاغ لم يستغرق تعارفنا وقتا فقد كنا في مناسبة أسرية وكان هو يمت بصلة قرابة لابنة خالتي عن طريق المصاهرة. لم يكن رجلا عاديا قابلته عرضا, استطاع منذ الوهلة الأولي لتعارفنا أن يمتلك علي قلبي ويشغفني به وقبل أن أفيق من سكرة مشاعري كان عندنا في البيت يطلب يدي وما هي إلا أشهر قليلة حتي اكتمل اقتراننا وأصبحنا في بيت واحد لأكتشف أني ارتبطت برجل آخر غير الذي أحببت.. توارت دماثة خلقه خلف حقيقة عصبيته المتوترة دائما واكتشفت فيه خصالا غريزية لم أكن لأتوقعها قبل أن أصطدم به, زوجا لا يري في غير منبت يغرس فيه ذريته ويقضي فيه متعته بشراسة سادية تتجاوز حدود التحمل.... صبرت علي حالي ورضيت به أملا في أن تستقيم حياتي مع الوقت خاصة أن الله كان قد رزقني بطفل بالنسبة لي طوق النجاة أتعلق به حلما جميلا في دنيا جديدة قد تأتي بمقدمه ولكن سيناريو من العذاب كان في انتظاري مع زوج لا يضيع فرصة يمتهن كرامتي فيها حتي ابننا لم يسلم من فظاظة أبيه, كل هذا ولم أكن أعلم أنه سبق له الزواج عدة مرات وفشلت كل زيجاته بسبب شراسة طبعه وسادية غرائزه......! و ما زاد علي ذلك وكان الشعرة التي قصمت ظهر صبري وتحملي له أني اكتشفت خيانته لي وعلي فراشي ما دمر البقية الباقية من آدميتي.. واجهته بما عرفت وطلبت الانفصال فما كان منه إلا أن انفجر ثائرا وأخذ يضربني بعنف شديد, تنزل صفعاته علي وجهي ضربات قدر أوقعني في شيطان لا يعقل إلا العنف, أنظر إليه في تحدي تحرقه نظراتي فيزداد هياجا فيقذفني بأي شيء في طريقه, ولا أدر كيف أصف لك حياتي معه بعد ذلك, الذل بعينه وما كان صبري علي حياتي هذه إلا من أجل ابني, ولكنها الأقدار ومشيئتها فقد كان هناك اختبار مؤلم إلي حد التعذيب ينتظرني عندما سقط ابني الرضيع صريعا للمرض وقرر له الأطباء كورس علاج طويل الأمد, ولكنه باهظ التكاليف ما جعلني أبيع كل ما أملك من مصوغاتي وأستدين من الأهل والأصدقاء بل وأتقبل مساعدات أهل الخير.. كل هذا وزوجي لا يعير مرض ابنه اهتماما ولا ينفق عليه من ماله شيئا حتي جاء يوم كان الفاصل بيننا.. مات ابني لأنني عجزت عن توفير نفقات علاجه وعجزت عن تحنين قلب أبيع عليه.. خرجت من البيت لا ألوي علي شيء ولا أعلم لي جهة أذهب إليها, ألتهم الشوارع سعيا وركضا في كل الاتجاهات زائغة العينين لا أري غير صورة ابني في الأفق يناديني فأهرول نحوه لعلي أصل إليه. أظلمت بي الدنيا فجأة ورحت في ثبات عميق لا أدري من نفسي شيئا.. أشهر طويلة قضيتها في المستشفي أعالج من حالة انهيار عصبي خرجت منها نصف إنسان يتعاطي الدنيا كما يتفق لها لعل يوما قريبا يأتي ويجمعني بابني الراحل.....! عندما وجدني زوجي علي هذه الحال من عدم الاتزان فضل أن يلفظني من حياته, فما الذي يجبره علي تحمل مسئولية امرأة فقدت عقلها وستكبده مالا كثيرا نفقات علاج لها.. لم يشعر ولو للحظة أنه جنا علي ودمرني وغادرني بدم بارد, ولم يدرك أيضا أنه بفعلته هذه أراحني وأزاح حجرا ثقيلا عن قلبي جثم علي حياتي دهرا أماتني به ألف مرة. كان الله رحيما بي واستطعت تجاوز مرحلة المرض سريعا خاصة بعد أن خرج هو من حياتي إلي الأبد وعدت إلي عملي أحاول أن أتعايش مع الدنيا شيئا فشيئا وتعرفت بإنسان كان زميلا لي في العمل حاول أن يتقرب مني, ولكني لفظته سريعا.. عبثا حاول أن يقنعني بحبه وأنه سيعينني علي تجاوز أزمتي النفسية والتجربة القاسية التي مررت بها في حياتي.. قال لي إن الحياة لن تتوقف وعلي أن أفتح معها صفحة جديدة ولكن كلامه لم يكن يجد أذنا عندي فقد تجمدت مشاعري وتوقف الزمن عند اللحظة التي رأيت فيها ابني يواري التراب. أهلي يضغطون علي أن أوافق علي الارتباط به خاصة وأنه تقدم لهم واجتهدوا في السؤال عنه خوفا من أن يكون كطليقي ولكني أبدا لن أدخل هذه التجربة ثانية. ح. م. القاهرة ترفقي بنفسك يا ابنتي ولا تقنطي من رحمة الله فلا يقنط من رحمة الله إلا القوم الكافرون ولك أن تعلمي أننا نعيش الدنيا علي محن تتواتر لنا في كل مراحل حياتنا وبقدر الصبر في أنفسنا وبقدر الإيمان الراسخ في القلوب نستطيع تجاوز امتحانات القدر فينا فمن منا لم تختبره الدنيا في عزيز لديه أو في ذاته نفسها وإذا كان سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم قد قال إن الدعاء عبادة فاجعلي من الدعاء تواصلا مع رب العزة يزيح عنك هما أثقل نفسك وأوقعك في لجة اليأس والإحباط وتذكري قول الله تعالي في محكم آياته: ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين(155) الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون(156) أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون(157) البقرة. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذي ولا غم حتي الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه.. كل ذلك يجعل لك علي طريق السكينة نبراس نور تهتدي به فلا تتخبطي في دروب الشيطان, ولابد أن تعي أن طوق النجاة مما أنت فيه من جمود في التعايش الطبيعي مع الدنيا يتوقف علي إرادتك أنت في أن تتجاوزي أزمتك وتنتصري عليها وبقوة إيمانك ستكون لك الغلبة علي اليأس لقوله تعالي في كتابه الكريم:( أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون).{ النمل62}. أما أمر ذلك الشاب الذي يقترب منك فلعله مبعوث أمل جديد أرسله رب الرحمة إليك تستندين إليه في رحلة الشفاء وإذا كانت الأقدار قد شاءت لك محنة عصيبة مع زوج ظالم وقاس فلما لا تكون الأقدار تريد لك تجربة جديدة مع زوج آخر يكون ترياق النفس التي سممتها المحنة وفجرا جديدا لحياة أخري بلا محن, ولعل الله عز وجل يعوضك عن ابنك الراحل بوليد جديد يعيد لك ابتسامة رحلت مع ابنك الأول.. ولك أن تعلمي رحمة الله وسعت كل شيء فلا تفقدي يقينك فيها وحاولي تقبل زميلك وامنحيه وامنحي نفسك فرصة أخيرة للعيش من جديد.