أحيانا يصعب علي الإنسان أن يفرق بين الوجه الحقيقي والقناع; لأنهما قد يتشابهان إلي حد يتعذر معه التفرقة, وهذا ما يجعل الكثيرين ضحايا للخداع والكذب, وللأسف تظل الضحية حبيسة جدران أفكارها, حتي تأتي النهاية الصادمة, ويسقط القناع, وتظهر الملامح الحقيقية التي كان يخفيها, فهل يمكننا أن نفرق بينهما؟! بالطبع سيجيب الكثيرون ب نعم اعتقادا منهم أن خبرتهم وتجاربهم كافية لكشف الأقنعة الخداعة, ولكني, وبكل ثقة أؤكد للجميع أن الإجابة الصحيحة هي لا, فلو كان القناع سهلا اكتشافه ما كان قناعا, فهو دائما صورة أكثر من رائعة, وأجمل ما فيها أنها زائفة تخفي الحقيقة المؤلمة, وتظهر الكذب الجميل المنمق, فكم من قسوة توارت خلف قناع الحنان, وكم من كراهية اختبأت خلف قناع المحبة, وكم من كذب اختفي تحت قناع الصدق. فالقناع أجمل بكثير من أن يكذبه أي عقل, مهما كان مخزون خبرته وتجاربه, ولا يسقط إلا عند انتهاء مهمته, فهنا فقط, صاحبه يدرك أنه لا حاجة له به, فيسقط وبكامل إرادته. فيحكي أنه في قديم الزمان كان هناك رجل حكيم, يعيش مع الملك في قصره ويستشيره في جميع أموره وأحواله, وذات يوم قرر هذا الرجل أن يعلم الأمير الصغير ولي العهد درسا في الحياة, لا ينساه أبدا, فأحضر الحكيم الأمير وسأله:مولاي الأمير, هل يمكنك أن تخبرني عن المعدن الذي يستهويك ويستميلك أكثر من باقي المعادن؟ فأجاب الأمير الصغير في ثقة:الذهب بالطبع, فسأله الحكيم:ولماذا الذهب؟ أجاب الأمير بثقة أكبر:لأنه أغلي المعادن وأثمنها, وهو المعدن الذي يليق بالملوك والأمراء. لم يجب الحكيم وظل صامتا, وبعد ذلك ذهب إلي خدم القصر وطلب منهم أن يصنعوا تمثالين لهما نفس الشكل تماما, ولكن أحدهما من الذهب والآخر من الطبشور, ولكنه مطلي بماء الذهب, ليبدو وكأنه هو الآخر مصنوع من الذهب, وفعلا صنع الخدم ما أراد الحكيم, ومر يومان وأحضر الحكيم التمثالين أمام الأمير الصغير, فانبهر الأمير كثيرا من جمال التمثالين ودقة صنعهما, فلاحظ الحكيم ذلك, وسأل الأمير:ما رأيك يا مولاي فيما تري؟ فأجاب الأمير علي الفور:إنهما تمثالان رائعان للغاية, مصنوعان من الذهب الخالص, فابتسم الحكيم في خبث قائلا:دقق يا مولاي أكثر, ألا تجد أي فرق بينهما؟ فقال الأمير:كلا, كلاهما رائع ومن الذهب الخالص, ألا تعرف أن كلام الملوك لا يعاد!! حينها أشار الحكيم علي خادم كان يقف ممسكا بدلو صغير من الماء, فقام برش الماء علي التمثالين, فصعق الأمير عندما رأي تمثال الطبشور يتلاشي أمامه, ولكنه وجد أن التمثال الآخر المصنوع من الذهب يزداد لمعانا وبريقا, حينها قال الحكيم:أتري يا مولاي؟ هكذا هم الناس, عند الشدائد يمكنك أن تعرف معدنهم الأصيل, فالذهب يزداد بريقا, أما الطبشور سريعا ما يتلاشي كأنه لم يكن. والواقع أن الأقنعة دائما ما تسقط في حالتين, أولاهما عند انتهاء مهمتها, وثانيتها عند الشدة, ولحظة الضعف التي يمر بها الإنسان, فحينها يعرف الحنان الصادق الخالص, والحنان الملفق, ويعرف القلوب الصافية النقية من القلوب الكاذبة الخداعة. وللأسف الشديد, مهما كان الإنسان يتصف بالذكاء, فلن يستطيع أن يكشف ما وراء الأقنعة; لأنها تكون متسقة تماما علي وجه صاحبها بكافة المقاييس والمعايير, فهي صنعت لكي تداري كل ما يرغب في إخفائه وتظهر كل ما يريد تصديره للآخرين, ولكن مهما حدث ومهما مرت الأيام والسنون, ومهما خدع الناس, فالمواقف تأتي واحدا تلو الآخر, ولابد في النهاية أن تسقط الأقنعة.