أراد حكيم القصر أن يعطى الأمير الصغير درسا، فسأله: مولاى ما هو المعدن الذى يستهويك؟ فأجابه: الذهب بالطبع، ولم الذهب؟ فأجاب: لأنه ثمين ويليق بالملوك. صمت الحكيم وذهب إلى الخدم وطلب أن يصنعوا له تمثالين بنفس الشكل ولكن أحدهما من الذهب الخالص والآخر من الطباشير على أن يطلوه بطلاء ذهبى، بعد يومين أتى الحكيم بالأمير أمام التمثالين وسأله: ما رأى الأمير؟ فأجاب: تمثالان رائعان من الذهب الخالص، فقال الحكيم: دقق يا مولاى ألا ترى فرقا بينهما؟ فقال: كلا، فأشار الحكيم إلى خادم كان يمسك دلو ماء، أفرغ الخادم الماء على التمثالين بقوة، فصعق الأمير عندما رأى تمثال الطباشير يتلاشى.. وتمثال الذهب يزداد لمعانا. فقال الحكيم: هكذا الناس عند الاختبار من كان معدنه ذهباً يزدد لمعانا ومن كان من طباشير يتلاشى، لا تمش وراء أهوائك أو ما تصوره لك عيناك. انتهت الحدوتة ولكن مقولة «ليس كل ما يلمع ذهبا» ظلت شائعة. تجربتى مع ابنتى الصغيرة كشفت لى أنها عادة ما تطلب المنتجات ذات الأغلفة البراقة، أو التى لها إعلانات تليفزيونية جذابة، نبهتنى إلى التطور المذهل الذى تعيشه صناعة الأغلفة والعبوات فى السنوات الأخيرة، ولم يقتصر هذا على زجاجات العطور ومنتجات التجميل، بل تجاوز ذلك إلى علب العصائر ومنتجات الشيبسى والمقرمشات، حتى إننى أتعجب من منتجات لا يزيد سعرها على ربع أو نصف جنيه ومع ذلك نجد أن أغلفتها جذابة تزغلل عيون الأطفال. هكذا أدرك المصنعون أهمية التغليف فى ترويج إنتاجهم، فدفعوا الكثير للمصممين والمنفذين حتى صار محتوى العبوة أرخص منها أحيانا، بل إن صناعة التغليف الفاخر ولدت على ضفافها صناعات وموضات مكملة مثل محال تغليف الهدايا والتى انتشرت بصورة كبيرة وفى أحيان كثيرة يفوق سعر التغليف قيمة الهدية ذاتها، وطبعا نحن نعرف جميعا أنه مهما كانت قيمة الغلاف، أو روعة العبوة، فلابد أننا سنرميها فى النهاية فى صندوق القمامة، قد نحتفظ ببعض العبوات لبعض الوقت، خاصة بالنسبة للمنتجات الثمينة جميلة التصميم، لكن مهما طال الوقت سينتهى الأمر بالتخلص من هذه العبوات، لأنها تتحول إلى «كراكيب» وعبء على مساحات التخزين بالمنزل. ما يحدث فى المنتجات كلها، يحدث فى كل مناحى الحياة التى نعيشها، أشهر البرامج التليفزيونية ليس أفضل البرامج من حيث المحتوى، أو أفضلها فائدة، أو أكثرها توعية للمشاهد، لكنها البرامج التى تجد من يرعاها وينفق عليها ببذخ، حتى تتحول لغلاف براق يتضمن محتوى عادياً وأقل من عادى أحيانا، المذيعون والمذيعات أقرب لنجوم الإعلانات وموديلات عروض الأزياء، يركزون على الظهور بمظهر أنيق وجميل، أكثر مما يركزون على الإعداد والاستعداد للحلقة بالقراءة والمتابعة، وهنا أتذكر مقولة للكاتب الساخر جورج برنارد شو ينصح فيها المتأنقين قائلا: «احرص على أناقتك ولكن احترس أن ترتدى أغلى من قيمتك الحقيقية».. هكذا تحذر عبارة شو من ارتفاع شأن الغلاف على قيمة المحتوى، لكن للأسف أصبح معظم الناس يقيمون الآخرين حسبما يغلفون به أنفسهم من ملابس قيمة ومجوهرات، أو ما يملكونه من مساكن فخمة وسيارات فارهة، والعجيب أننا مازلنا نردد بكل قوة واقتناع أننا مسلمون وننسى مقولة الرسول - صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صُوَركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم».. فمَن يعيد الاعتبار للجوهر بعد أن انشغل الجميع بالمظهر؟!