علي الرغم من التزايد السكاني في القارة السمراء, إلا إنه وفقا لتقارير البنك الدولي, هناك العديد من دول القارة قد اتخذت خطوات إيجابية, تستهدف بها تحسين الظروف المعيشية لمواطنيها, وكذلك تهيئة بيئة الأعمال لراغبي الاستثمار بها, وذلك من خلال تكثيف الاستثمار في البنية التحتية, وإصلاح البيئة التشريعية والمؤسسية المرتبطة بالأسواق, وهو الامر الذي انعكس علي ارتفاع معدلات النمو في تلك الدول, وساهم في توفير المزيد من فرص العمل الناتج عن التوسع في الفرص الاستثمارية, وهو النتيجة الطبيعية لتحسن الوضع التنافسي العالمي لتلك الدول, مثل موريشيوس وجنوب أفريقيا, ورواندا وبتسوانا, والمغرب. إلا أن تلك الخطوات التنموية التي تتبعها بعض الدول الإفريقية, ستكون غير كافية لمواجهة خطر التزايد السكاني المتوقع خلال الأعوام القادمة, فوفقا لتقديرات عام2016 وصل عدد سكان القارة السمراء الي حوالي800 مليون نسمة, يمثل الحضر فقط حوالي472 مليون نسمة, ومن المتوقع أن يتضاعف هذا العدد بحلول عام2040 ليصل سكان الحضر إلي نحو المليار نسمة, في حين سيصل إجمالي سكان القارة إلي نحو1.7 مليار نسمة. فما تحتاجه القارة الإفريقية هو الاستمرار في خطوات تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية, وذلك لجميع دول القارة الإفريقية دون استثناء. ولا بد من الإشارة الي أن متوسط مستوي دخل الأفراد في أفريقيا هو الأقل مقارنة بمستويات الدخول في الدول غير الإفريقية والمشابهة لنفس الظروف الاقتصادية, وهو الأمر الذي يعني أن الاستثمار في رأس المال البشري سيكون الأقل في إفريقيا مقارنة بغيرها من الدول غير الإفريقية, نظرا لأن الاستثمار في العنصر البشري يرتبط ارتباطا وثيقا بمستويات الدخول, فكلما ارتفع مستوي دخل الأفراد, انعكس ذلك علي جودة التعليم والتأهيل لسوق العمل, والذي ينعكس بدوره علي انخفاض عدد الأيدي العاملة المؤهلة لرفع معدلات التنمية. وما يؤكد ذلك أنه في الوقت الذي تنخفض فيه معدلات الاستثمار في رأس المال البشري في إفريقيا نلاحظ تزايد وتيرته في كل من الصين واليابان وكوريا. وهو الأمر الذي يعني أهمية تركيز الجهود الإفريقية لتتجه نحو مزيد من الإنفاق علي الاستثمار في رأس المال البشري, مع ترشيد أوجه الإنفاق الأخري, مع تحقيق الاستفادة القصوي من مصادر التمويل المتاحة في هذا المجال سواء المصادر التمويلية المتوافرة من الشركاء من القطاع الخاص المحلي والأجنبي, أو الشركاء الدوليين من الجهات التمويلية الدولية المختلفة. لا أعني أن الاستثمار في رأس المال البشري يثني الجهود الإفريقية عن الاستثمار في البنية التحتية, أو التنمية الصناعية أو التجارية وتهيئة الأسواق, ولكن ما أعنيه هو تنسيق الجهود ما بين الاستثمار في العقل البشري والاستثمار في البنية التحتية, فكلاهما من دعائم التنمية الاقتصادية, وكلاهما يعمل علي تأهيل الدولة لتحقيق تنميتها الاقتصادية المنشودة. أضف إلي ذلك أن تركز الاستثمارات في البنية التحتية والخدمية في حضر المدن الإفريقية تجعلها أكثر جذبا للمواطنين, من المناطق الأخري التي قد تكون طاردة للسكان, ومن ثم تفتقد عنصر التواصل, وهو الأمر الذي ينعكس علي ارتفاع التكلفة المعيشية والاستثمارية في الدول الإفريقية, وينعكس سلبا علي فرص الاستثمار في المناطق النائية التي لا تتمتع بفرص الاستثمار في البنية التحتية والخدمية. ما تحتاجه الدول الإفريقية هو زيادة إنتاجيتها, وتحسين كفاءة منتجاتها, ولن يتحقق ذلك إلا بزيادة الاستثمار في رأس المال البشري وزيادة الإنفاق العام علي مخصصات التعليم والتدريب, وتحقيق التوازن في الإنفاق الاستثماري ما بين مناطق الحضر والمناطق المهمشة. [email protected]