حينما وقفت ميريل ستريب علي خشبة مسرح فندق هيلتون بيفرلي هيلز حيث تطلق جوائز جولدن جلوب السينمائية تهدج صوتها بالبكاء ثم تمالكت نفسها ونظرت إلي الورقة التي تحملها بيدها مرة واحدة, ثم انطلقت في الحديث وسط كبار فناني وفنانات هوليوود بأعناق مشرئبة تتطلع إلي تلك الممثلة العظيمة التي حصدت أكبر عدد من الجوائز في تاريخ جولدن جلوب والأوسكار. في تلك اللحظات قالت ما يمليه عليها ضميرها كواحدة من أهم صناع السينما ونجومها في العالم.. قامت ترد اعتبار صحفي معوق ذي احتياجات خاصة تعرض للاهانة من الرئيس المنتخب دونالد ترامب وقالت: إن هذه القاعة تضم النخبة من هوليوود ومن الصحفيين ومن الأجانبب وذكرت أسماء بعض أهم نجوم هوليوود من الأجانب.. وقالت بدون أن تذكر ترامب بالاسم: علينا أن نحمي الصحفيين في إشارة إلي تجاوزات الرئيس المنتخب ضد الصحفيين وذوي الاحتياجات الخاصة والسود والنساء والمسلمين. قالت ميريل ستريب إن مهنة التمثيل تعطي من يعمل بها امتيازات ولكن تحمله أيضا مسئوليات. بطبيعة الحال لم يتحمل ترامب أن يشير إليه أحد نجوم هوليوود من قريب أو من بعيد حتي بدون ذكر الاسم وشرع في مهاجمة الأسطورة ميريل ستريب وقال: إنه لم تتم مفاجأته بخطاب ميريل ستريب باعتبارها من محبي هيلاري كلينتون أو أن تتم مهاجمته من الليبراليين. ميريل ستريب تعد أعظم ممثلة في جيلها مولودة في نيو جيرسي عام1949 وهي أم لأربعة أبناء هم هنري ومامي وجريس ولويزا والتي فازت بأكبر عدد من جوائز الأوسكار كما حصدت30 ترشيحا من الجولدن جلوب وفازت بتسع جوائز من الجولدن جلوب وتحظي باحترام شديد في صناعة السينما علي المستوي العالمي. ميريل ستريب صاحبة جوائز أفضل ممثلة عن أفلام كرامر ضد كرامر1980 واختيار صوفي1983 والسيدة الحديدية عن رئيسة وزراء بريطانيا الراحلة تاتشر2012, تتحدي الرئيس المنتخب دونالد ترامب وتنحاز للقيم الإنسانية الرفيعة وتقف بجوار حق الصحفي في التعبير عن رأيه كما تقف بجوار ذوي الاحتياجات الخاصة من فوق هذا المنبر رفيع المستوي الذي يتابعه الملايين من المشاهدين علي شاشات التليفزيون بلا خوف أو رجفة من أكبر حاكم لأقوي دولة في العالم.. لم تتردد لحظة ولم ترتجف إلا للمشاعر الإنسانية لكي تثبت أن المجد لا يدوم بجانب الانحياز ضد ما هو إنساني. علي الفور استقبلت كلمات ميريل ستريب بحفاوة بالغة من كل صناع السينما في هذا الحفل الأسطوري الذي يلمع فيه نجمات ونجوم السينما في هوليوود ويتابعه عشرات بل مئات الملايين عبر شاشات التلفاز في العالم كله. بسرعة شديدة انضم النجم العالمي جورج كلوني إلي ميريل ستريب ووجه خطابه إلي ترامب قائلا بعد تلك الواقعة بساعات: لم أمنحك صوتي, ولم أؤيدك ولا أعتقد أن اختيارك كان صائبا ونأمل أن لا يدمر كل شيء. كلوني قال: إن أمريكا كانت محظوظة مع الرؤساء جيفرسون ولينكولن ورزفلت وكيندي ولكنها لم تكن محظوظة ولن تكون محظوظة مع بوش ولن تكون مع ترامب. كلوني قال رأيه في حفل تدشين فيلم وثائقي عن سوريا وهو خاص بانقاذ حياة متطوع في سوريا واقترح إطلاق فيلم روائي يكون معظم الممثلين فيه سوريين ناطق بالعربية مع عناوين فرعية باللغة الإنجليزية. وكانت الرابطة قد منحت ستريب تكريما خاصا, بسبب إسهاماتها في مجال صناعة الفن والترفيه, خاصة أنها الممثلة الأكثر ترشحا للجائزة في تاريخها, حيث سبق وترشحت للفوز بجوائز الجولدن جلوب30 مرة. وقالت النجمة صاحبة ال19 ترشيحا لجوائز الأوسكار, في مستهل كلمتها, التي نقلت نصها صحيفة الديلي تليجراف البريطانية: ليغفر لي الجميع صوتي; بسبب معاناتي مع الأحبال الصوتية. وبعثت ستريب رسالة إلي ترامب, من دون أن تذكر اسمه صراحة, قالت فيها: شكرا للصحافة الأجنبية, فهذه القاعة تعج بالفئات الأكثر كرها لدي أغلبية المجتمع الأمريكي في الوقت الحالي, وهم هوليوود, والأجانب, والصحافة. وتابعت قائلة: هناك لدينا مثلا آيمي آدمز ولدت في فينيسيا الإيطالية, وناتالي بورتمان ولدت في القدس, أين هي شهادتا ميلادهما؟, ولدينا الجميلة روث نيجا, ولدت في أديس أبابا بإثيوبيا وتربت في أيرلندا, وممثل مثل رايان جوسلينج فاز بجائزة أفضل ممثل لفيلم موسيقي وهو كندي الجنسية, وديف باتل ذو الأصول الكينية والبريطاني الجنسية, الذي يؤدي دور الهندي في معظم أفلام هوليوود, كل هؤلاء لا يمكن لأحد أن يطردهم ويبعدهم عن الولاياتالمتحدة. يذكر أن ستريب,67 عاما, كانت أحد الداعمين لحملة وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون, وهاجمت ترامب في أكثر من مناسبة, خاصة نيته ترحيل كافة المهاجرين غير الشرعيين عن الولاياتالمتحدة. ومضت الممثلة قائلة: علينا أن نعلم جيدا أن الازدراء يؤدي إلي الازدراء, والعنف يحرض علي العنف, وعندما يستخدم أصحاب القوة قوتهم للضغط علي الآخرين, فإننا نخسر جميعا. هذه رسالة بالغة القوة لم يصل إليها إلا عدد محدود من الفنانين المصريين الذين عملوا في السينما العالمية ولديهم وعي وإدراك بأهمية الفن في صنع وجدان البشر.. يقولون هذا رغم العنت والسباب واللعنات التي تنصب علي رؤوسهم, ناهيك عن تضييق فرص العمل أمامهم. ما فعلته ميريل ستريب سوف يكون محميا بضمائر الأمريكيين.. لن يجرؤ الرئيس ولا بطانته من الجمهوريين علي أذيتها أو التقليل من فرصها في العمل العام.. هذا درس يجب أن نتعلمه.