تستحق اللحظات التي نعيشها متنقلين بين العوالم المختلفة في حياتنا للحظة تأمل صادقة, وربما صادمة حتي ينضبط إيقاع الحياة ونشعر بالفروق التي نتميز بها عن الآخرين, فهذا عنصر اختلطت فيه الأشياء الصغيرة والكبيرة حتي إنك لا تستطيع من فرط التشويش والتهميش أن تحس بالمتعة في الترحال بالجسم, فتركب قطارا إلي الجنوب. حيث الأقصر وبالعقل تعود إلي جزء من الشواهد التاريخية والحضارية الزاخرة بآلاف القطع الأصلية, والرموز الموحية, بقدر نجاحنا في اختراق حواجز الزمن الممتد في عصرنا سوف نحصد مع الوقت فوزا إبداعيا وعقليا آخر, وقد نحلق لأعلي نقطة بعيدا عن غبش الأشياء التي ضمنها الكاتب القاص الأقصري محمد عبدالموجود مجموعته القصصية لأجد نفسي بين خمسة أدباء أقصريين تعمدوا أن تكون ندوتهم في تلك المدينة التاريخية العريقة, وحشدوا الناس المهتمين بالأدب والثقافة والمفكر كي ما تكون ندوتهم علي أعلي مستوي من التفاعل والاهتمام فأقمنا ندوة في قصر ثقافة الطود علي مسيرة ساعة بالسيارة من مدينة الأقصر الأثرية والتالية بالقرب من رحاب معبد الأقصر, وعلي النيل مباشرة, وعلي مرمي حجر من جامع أبو الحجاج المبني فوق سطح المعبد بجوار مرقد وكنيسة الأخت تريزا, هذه الندوات الثلاث نوقشت فيها أعمال الأديبة راوية الصحابي, ولها مجموعة قصصية تسمي حواريات امرأة, وتقع المجموعة في24 قصة بدأتها بنقش فرعوني, وانتهت بالبرواز وموت أشجار الحزن, ولا أبالغ إذا قلت إنها ملكة بحق في التكثيف والإحساس الحر, حتي إن عيونك تمتلأ بالدموع وأنت تقترب من نهايات قصصها, حدث ذلك غير مرة وأنت تتابع قصصها بصوتها, أو قراءة الآخرين, حتي إنني تحيرت لذلك الأمر وقصدت مجموعتها السابقة برديات إيزيس فإذا هي سمة عامة, وملمح فني, وتكنيك تجيد استخدامه, والمحافظة عليه, وبالطبع أضاء نقد الدكتور حسام عقل كثيرا من مواطن التعامل مع النصوص, حيث لاحظ أن القدرات البلاغية للقاصة راوية الصحابي, تصعد بغير سقف حين تقصد بوابة التاريخ, وفلسفة الموت والحياة والإحساس بالزمن وتجاربها الشخصية الصوفية وأحبائها الذين غادروا هذا العالم, وبقيت منهم الذكريات والأحلام حيث تخرج ثقافتها كجزء أصيل من الإبداع والتنوير المصري الصافي لمدينة ضاربة في عمق التاريخ, وجسر مهم بين عصور مختلفة, وهي سمة يشترك فيها ومعها أدباء الصعيد الآخرين, فها هو الأديب بستاني النداف ومجموعته القصصية ليس القميص أبيض التي تقع في خمس وتسعين صفحة من القطع المتوسط, أصدرتها له الهيئة العامة لقصور الثقافة, حيث تجد كل الصفات الأصلية للمصري القديم الحديث, من القبول والرضا وخفة الدم, والعمق والإحساس, يتميز الذات في آن واحد حيث يقول:( ما هي الكرامات كلها ظهرت في جدك عبدالمنعم العجل), مازال العجل يمثل شيئا في التراث المصري, يتميز النداف بالعبارات المضغوطة, واللعب علي المفارقات حتي لو قرر وكانت عتبات وعناوين النصوص كلاسيكية, تجده يمزج ذلك بسرعة وفي لمح البصر بعناصر التشويق, واستدعاء المفردات ومزجها حتي لا يظهر لها قرار أو تشذ عن السياق الذي هي فيه( دخان, ليس القميص...), وكمن فعل شيئا ضد ناموس الحياة يغزو إيقاعه القصصي عقلك( عبده القمع, ناري لا تخبو أبدا), واحذر فإن العنوان يخدع, والمقدمات لا تفصح عن مكنون الأشياء؟!. يأتي عمل الأستاذ محمد عبدالموجود غبش الأشياء كإحدي العلامات المميزة للأدب الأقصري, وملامح انطلاقات الأدباء هنا, حيث لا نعلم عنهم أو تصلنا أخبارهم, فالعمل يقع في عدد17 قصة قصيرة بدأها بعجين ورأس قان, وأنهاها بأنطونيو يحتضر, والمجموعة أصدرتها هيئة قصور الثقافة ناقش فيها بحرفية بالغة فكرة الحرية التي لا يستنسخها إلا من يؤمن بها, ويبذل من أجلها المجهودات, سواء باستخدامه فكرة الرمز أو اللغة والأفعال المضارعة التي أكسبت نصوصه الحيوية اللازمة, فأخطر ما في الإنسان رأسه, وهو الجزء الذي إذا قرر استخدامه بحق نجا من أشياء كثيرة تقع كعقبات في مسيرة حياته, في المجموعة أيضا تظهر ثمرة الأقصر كمدينة تاريخية وسياحية عملاقة, ومدي تأثر أبناء الصعيد وخط قبلي بتلك المكونات( فسيفساء متحركة, ممر نحو القمر), ثم تأتي آخر قصص المجموعة أحلام أحلام حيث هي خائفة تترقب فلم نعلم عن يقين ماذا وضع كحلول لتلك المطبات التي تعتور حياتنا الآن, ولا مجال لأن تحلها, الأفكار وسعي الناس نحو الإصلاحات بغير خلق الإرادات القوية القومية, ويبقي أن تلك الرحلة التي استغرقت أياما ثلاثة غير أيام الذهاب والعودة, قد صبت في أعماقي برميلا من البارود المشتعل بالاهتمام لما يحدث ويتطور خارج محيط القاهرة الثقافي, ومن حيث خرجت ووليت إلي الجنوب أعود ولست ذات الشخص الذي رحل في نهايات العام2016 ليستقبل العام الجديد في رحاب البر الغربي والقرنة والأقصر ومراكز الإشعاع والنور الحضاري لطيبة وما جاورها من بنايات المصري القديم, أعود ومعي أعمال عبان القاص أحمد بين الزينية والكرنك, وناصر خليل رحيل كائن زجاجي, وأشعار الكبير فعلا ومقاما عادل دنقل, الذي ينتسب لشجرة مباركة عظيمة الفروع والمعاني.. وتحفل بكل الأنواع من الثمار.. فأرغب في أن أتحدث عنهم كثيرا في المستقبل؟! روائي عضو اتحاد كتاب مصر