لا شك أن المفاوضات التي انطلقت الشهر الحاليفي مدينة مونت بيليرين السويسرية, وضمت رئيس جمهورية شمال قبرص التركية, مصطفي أقنجي, ورئيس قبرص اليونانية نيكوس أناستاسياديس, والمستشار الخاص للأمم المتحدة المعني بقبرص, أسبن بارث ايدجاءت في توقيت بالغ الأهمية والحساسية بالنسبة للجزيرة القبرصية التي يعاني شعبها نحو مليون نسمة أغلبهم في قبرص اليونانية حالة من الانقسام بدأت منذ أكثر من42 عاما وتزايدت حدة الخلافات واتسعت الفجوة بين الجانبين منذ رفض القبارصة اليونانيين خطة كوفي أنان الأمين العام السابق للأمم المتحدة لتوحيد الجزيرة عام2004 بينما وافق عليها القبارصة الأتراك. والأزمة الحالية التي تتعرض لها المفاوضات لا تتمثل فقط في تعثر المفاوضات خاصة فيما يتعلق بالقضية الشائكة لملف الأراضي وكيفية تقسيمها وإعادتها إلي أصحابها وانما أيضا في تحديد نهاية العام الحالي كتوقيت نهائي للوصول إلي حل نهائي للأزمة وهو ما يبدو بعيدا تماما عن الواقع حيث تشهد المفاوضات المستمرة منذ أكثر من خمسين عاما خلافات كبيرة بين شطري الجزيرة فيما يتعلق بالأراضي والأمن والضمانات وهي الملفات التي يتم الحديث عنها في الشارع القبرصي سواء في الجنوب أو في الشمال عند الشروع في استئناف جولة جديدة من المشاورات بين الطرفين. والمؤكد أن ما صرح به رئيس جمهورية شمال قبرص التركية والتي تم إعلانها كجمهورية من جانب واحد عام1983 ولا تعترف بها سوي تركيا فقط علي ضرورة احترام المهلة المحددة حتي نهاية السنة الحالية للتوصل إلي اتفاق حيث قال أيضا بعد خمسين عاما, لا يمكننا مواصلة بحث ذلك لخمسين سنة إضافية. والكل بما فيهم الأممالمتحدة, يدرك ذلك. يؤكد أن هناك تعثرا كبيرا في المفاوضات وفشلا واضحا للأمم المتحدة في تقريب وجهات النظر بين الجانبين خاصة أن المفاوضات لا تتم بين طرفي الجزيرة فقط بل أن هناك طرفين رئيسيين في المفاوضات هما اليونان وتركيا حيث تدعم كل منهما طرفا وتتبني وجهة نظره بصورة صريحة وبالتالي فإن الخلافات التركية اليونانية والتوتر في علاقات البلدين يلقي بظلاله علي المفاوضات دون شك. وأعتقد أن ما طرحه الجانب القبرصي اليوناني خلال المفاوضات تحت مسمي أغلبية وأقلية في الجزيرة بشأن عدد سكان الشطر القبرصي اليوناني والشطر القبرصي التركي أثار موجة من الغضب والرفض داخل المجتمع القبرصي التركي عبر عنها وزير خارجيته تحسين أرطغرل أوغلو بقوله لن نكون أقلية في المجتمع القبرصي في حال التوحد وإنما نحن شركاء في الوطن والأرض معا ولن نقبل بهذا الطرح في المفاوضات حيث إننا نسعي لعمل شراكة وتعاون بين الجانبين في إطار تكافل ومساواة وليس أقلية وأغلبية. ويري عدد من المحللين أن ما تطالب به قبرص التركية في حال التوصل إلي اتفاق بشأن المعايير المتعلقة بحقوق الأراضي في المفاوضات والمتعلق بعقد مؤتمر خماسي يضم إلي جانب شطري الجزيرة الدول الضامنة لسير المفاوضات, تركيا واليونان وبريطانياقد لا يلقي قبولا من قبرص اليونانية العضو في الاتحاد الأوروبي منذ عام2004 وبالتالي فإن الحديث عن سيناريوهات ما بعد فشل المفاوضات سوف يطرح نفسه وبقوة خلال المرحلة المقبلة خاصة أن هناك أصواتا داخل قبرص التركية تطالب حال فشل المفاوضات بالحصول علي حكم ذاتي في إطار تركيا بمعني تبعية أنقرة في السياسة الخارجية والدفاع والاقتصاد بينما تطالب أصوات أخري بأن تكون هناك كونفيدرالية مع قبرص اليونانية من خلال السعي لانهاء ماراثون المفاوضات التي خلفت ورائها تباينا كبيرا بين شطري الجزيرة سياسا واقتصاديا واجتماعيا في ظل تراجع واضح لدور المجتمع الدولي لحل تلك الأزمة.