إن المؤسسة العسكرية تحظي بأكبر نسبة تأييد بين الأمريكيين لذا يسعي السياسيون الامريكيون الي ربط أنفسهم بالمجد العسكري, وشاهدنا الرئيس اوباما عندما يتحدث عن الأمن القومي, فانه يحرص علي ان يكون المكان اما كلية الأركان في ويست بوينت, أو( جامعة الدفاع الوطني). ووسط حضور عسكري مزين بنجوم لامعة وطلاب عسكريين. ولما كان المرشحان الرئاسيان سواء ترامب أو هيلاري لا يتمعان بشعبية ويقول الامريكيون ان عليهم الاختيار بين السيئ والأسوا لذلك يحاول المرشحان الاستفادة من الدعم الشعبي العالي للجيش وسط الأمريكيين. لذا رأينا في المؤتمر الوطني للحزبين الجمهوري والديمقراطي لتسمية المرشح الرئاسي اجتذاب لكبار الجنرالات المتقاعدين للتحدث في المؤتمرين, يجوز بالطبع, أن تشارك عناصر عسكرية كأفراد في الحياة السياسية لبلدهم, تماما كأي مواطن آخر. ويجوز لعناصر المؤسسة العسكرية الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات. مع ذلك يجب علي كافة عناصر المؤسسة العسكرية الانسحاب أو التقاعد أولا من الخدمة العسكرية قبل أن يمارسوا العمل السياسي, فالمؤسسة العسكرية يجب أن تبقي منفصلة عن السياسة لأن عناصر المؤسسة العسكرية هم الخدام المحايدون للدولة وحراس المجتمع. وهؤلاء الجنرالات السابقون لما يتحدثوا بصفتهم مواطنين عاديين, بل بصفتهم جنرالات يطمعون في الترويج لعقائدهم العسكرية والسعي لشغل مناصب رئيسية في الادارة اذا فاز مرشحهم بالرئاسة في الثامن من نوفمبر. وقاد فريق ترامب التشجيعي العسكري الفريق المتقاعد مايك فلاين, الذي قاد هتافات امنعوها. أما أكبر وكيل عسكري لكلينتون فقد كان الجنرال المتقاعد جون آلين الذي وصفه ترامب فيما بعد بالجنرال الفاشل لأنه كان هو المسئول عن تنسيق الحملة ضد تنظيم داعش. ولم يقتصر الامر علي ذلك فتباعا تعلن حملتا دونالد ترامب وهيلاري كلينتون تأييد كبار ضباط الجيش المتقاعدين لكل منهما, علي حدة, وأنهم يقولون إنهم يؤكدون صلاحية مرشحي هذه الحملة أو تلك لتولي منصب القائد الأعلي للقوات المسلحة. ولكن هذه التأييدات ليست فقط غير فعالة, بل إنها أيضا تخاطر بالإضرار بالتوازن بين العلاقات السياسية- العسكرية في أمريكا. لذا دعا رئيسان سابقان لهيئة الأركان المشتركة هما الجنرال المتقاعد مارتن ديمبسي والأدميرال المتقاعد مايك مولين زملاءهما السابقين للامتناع عن التحزب علانية, وعدم الإضرار بتوازن العلاقات المدنية- العسكرية. وأصدر أيضا رئيس الأركان الحالي الجنرال جوزيف دانفورد تحذيرا مماثلا للقوات التي لا تزال في الخدمة. وكان هنتجتون هو اول من تحدث عن تلك العلاقة ورأي ان الاحترافية العسكرية مهنة مثلها مثل المهن الاخري, لكن لها ثلاث خصائص تميزها اهمها اطاعة الاوامر العسكرية. وليست هذه المرة الاولي في التاريخ الامريكي التي تشهد انخراط كبار الشخصيات من العسكريين المتقاعدين في السياسة والحملة الرئاسية; فقد أدلي الجنرال دوجلاس ماك آرثر بالخطاب الرئيسي في المؤتمر الجمهوري عام1952 وأيد الأدميرال المتقاعد ويليام كرو بيل كلينتون عام1992, ودافع عنه في اتهامات بالتهرب من سداد شيكات. وهناك من يري أنه لا يجب توجيه اللوم للمحاربين القدماء, والقادة العسكريين المتقاعدين, لأنهم أصبحوا أكثر حزبية, فالمشكلة في نظرهم ليس أن أفرادا عسكريين سابقين, يتخذون أحيانا مواقف شديدة العلنية وشديدة الحزبية, لأنهم مواطنون أولا وأخيرا, ومن حقهم أن يتكلموا ويعبروا عما في ضمائرهم, ولكن المشكلة تكمن في أن وسائل الإعلام والجمهور العادي يشجع علي نمو تلك الحزبية, من خلال معاملة هؤلاء العسكريين علي أنهم بالضرورة حكماء في السياسة, والأمر ليس كذلك.