فور الإعلان عن الهدنة بين الجيش السوري وجماعات المعارضة المسلحة ما عدا داعش وجماعة النصرة, حتي إنطلق هجوم من هضبة الجولان تحت غطاء مدفعي إسرائيلي علي مواقع الجيش السوري, سمته الجماعات المسلحة قادسية الجنوب وقالت إن هدفه هو الزحف علي ريف دمشق لفك حصار الجيش السوري لمواقع المعارضة المسلحة, وما أن تصدي الجيش السوري للهجوم, وأوقع بالمسلحين خسائر فادحة, حتي انطلقت الطائرات الإسرائيلية لتغير علي مواقع الجيش السوري, وكان الرد المفاجئ هو إطلاق صاروخي دفاع جوي علي الطائرات الإسرائيلية. وبدون النظر إذا ما كانت الصواريخ السورية قد أصابت الطائرتين الإسرائيليتين من عدمه, فإن الرد السوري أفزع قادة إسرائيل, ووصفوه بأنه إعلان سوري شديد اللهجة بالاستعداد للصدام مع إسرائيل عسكريا, رغم انشغال الجيش السوري وحلفائه بالإشتباك مع عشرات الجماعات المسلحة في عدة جبهات تمتد من حلب في الشمال إلي درعا في الجنوب, ومن دير الزور في الشرق وحتي ريف اللاذقية غربا, وهو ما يضع إسرائيل أمام خيارات صعبة, فإما التورط المباشر في الحرب علي سوريا إلي جانب الجماعات التكفيرية, ومنها داعش وجبهة النصرة, أو تحييدها عن الصراع المسلح, والتخلي عن دعم المعارضة المسلحة, وانتظار نتائج الهدنة وما سيعقبها من حل سياسي, وهو ما اتفقت فيه كل من إسرائيل والمعارضة السورية أنه سيحقق أهداف التحالف الروسي السوري الإيراني, وأنه سيقضي علي أهم الجماعات المسلحة المتفق علي وصمها بالإرهاب, وهو ما سيضعف المعارضة المسلحة, ولن يؤدي إلي تغيير هيكلي في النظام السوري يحقق الأهداف الإسرائيلية. وكانت المعارضة السورية قد انتقدت الاتفاق الروسي الأمريكي, وإعلان الهدنة بين الجيش السوري والجماعات المسلحة الموصوفة بالاعتدال, وطالبت بعدم استهداف جبهة النصرة التي أعلنت انفصالها عن تنظيم القاعدة, وغيرت اسمها إلي جبهة فتح الشام, وهو الإتفاق الذي يتضمن فك ارتباط أي جماعة مسلحة معتدلة مع الجبهة, وتعهد أمريكا بأن تقدم إحداثيات مواقع جبهة النصرة إلي روسيا, وشن هجمات جوية مشتركة علي مواقع كل من داعش والجبهة. أرادت إسرائيل والجماعات المسلحة إسقاط الهدنة بسرعة, قبل أن ترتبك الجماعات المرتبطة بجبهة النصرة, وأن تتجاوب مع الضغوط الدولية في إعلان الإنفصال عنها, وهو ما قد يتيح الفرصة للجيش السوري لتعزيز انتصاراته, خاصة بعد أن أحكم السيطرة علي مدينة حلب, ثاني أكبر المدن السورية, والهدف الأهم للتنظيمات المسلحة. لقد أصبح التحالف بين الجماعات المسلحة وإسرائيل أكثر قوة ووضوحا, وتجاوز علاج جرحي الجماعات المسلحة في المشافي الإسرائيلية, أو تقديم الدعم اللوجستي من خلال غرفة عمليات إسرائيلية تستفيد بعمليات التصوير الجوي للأقمار الصناعية والطائرات الإسرائيلية, لكن الاشتراك المباشر للقوات الإسرائيلية في المعارك سيكون من شأنه توسيع نطاق الحرب, واندلاع مواجهة عسكرية بين إسرائيل وحزب الله علي طول الحدود اللبنانية, وربما اتسع ليشمل مواجهة مباشرة بين إيران وإسرائيل, وهو ما سيؤدي إلي انفجار هائل في المنطقة, ويخرج الصراع المسلح عن السيطرة, وسيكون له تداعيات وامتدادات تنذر بدمار واسع في المنطقة. رغم أن إسرائيل قد أجرت مناورات عسكرية مكثفة استعدادا لهذه الاحتمالات, إلا أن اندلاع الحرب الواسعة, بعد التورط في الحرب المباشرة علي سوريا لا يمكن أن تتنبأ بنتائجه, وستتعرض لآلاف الصواريخ يوميا علي جميع مدنها, وستخوض حربا برية شرسة, قد تمتد لأول مرة إلي الجليل في شمال إسرائيل, وبالتالي ستكون مغامرة خطيرة, لكنها أيضا لا تريد أن تبدو ضعيفة ومتراجعة أمام الجيش السوري, الذي يريد تغيير قواعد الإشتباك, وتعديل موازين القوي, وفرض أوضاع ورسم خطوط حمراء جديدة, وهو ما تعتبره إسرائيل أمرا يحمل الكثير من التهديدات والمخاطر.