يجري تنظيم ورش عمل في مختلف بلدان الجامعة العربية بهدف وضع آليات متقنة للوصول إلي سوق اقتصادي أكثر عالمية, ويتركز العمل في هذا الإطار علي مجالات معينة مثل معاهدات الاستثمار الدولية ونزاعات الاستثمار والتحكيم.في ظل السوق العالمية الجديدة المرتكزة علي الإنتاج, كيف تنسجم منطقة الشرق الأوسط في هذه السوق المتنوعة المتصلة عالميا؟ يستمد الاقتصاد العالمي ديمومته اليوم من سلسلة قيمة عالمية جديدة وهذه السلسلة عبارة عن مجموعة متصلة من الأنشطة والفعاليات والعمليات التي تتيح الفرصة للشركات( أو الأفراد) لإضافة قيمة لمنتج ما( والآن وعلي نحو متزايد لخدمة ما) وهي في طريقها إلي السوق. تحتوي سلسلة القيمة العالمية علي مجموعة من الأنظمة الفرعية أو العناصر التي تعني بتقديم مجمل( أو بعض) خبراتها وكفاءاتها ومخرجاتها للتأثير علي العناصر التي تدور في فلك دورة الأشياء منذ إنتاجها وحتي وصولها إلي المستهلك. أي بمعني آخر, تحاول الشركات الارتقاء بعمليات الإنتاج وتحقيق الاستفادة القصوي منها من خلال توزيع مختلف المراحل عبر مواقع عالمية مختلفة. رجاء.. كفي نظريات اقتصادية! لدينا تخمة في عدد النظريات الاقتصادية وحتي إذا نظرنا للأمر نظرة خاطفة نجد بأن دول مجلس التعاون الخليجي والشرق الأوسط وكل بلد بجامعة الدول العربية تحظي اليوم بمجموعة جديدة من الفرص التجارية التي تبشر بالنمو والازدهار في ظل اقتصاد عالمي جديد ومتصل أكثر من ذي قبل. يكمن التحدي عند الحديث عن المنطقة ككيان واحد في أن الشرق الأوسط يحتضن تركيبة متنوعة فيها بلدان تتمتع بمستوي دخل عال كالإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية, ودول ذات مستوي دخل متوسط ونطاق صادرات متنوع مثل مصر, وأخيرا دول ذات مستوي دخل متدني كاليمن. وعندما تقتصر قدرة كل دولة علي الاتصال عبر نقطة مختلفة بسلسلة القيمة العالمية, فسيتعذر الوصول إلي حلول شاملة تناسب الجميع. وهنا تنشأ مجموعة من الأسئلة حسب قدرة كل دولة علي الترابط والاتصال( من حيث النقل والاتصال بالإنترنت) وقواها العاملة الماهرة ودرجة تمتعها بنزعة التدويل وقدراتها المالية ومواردها الطبيعية. مرة أخري, تتربع الإمارات العربية المتحدة علي القائمة كونها مركز النقل الجوي منقطع النظير علي مستوي المنطقة; الأمر الذي يثمر عن تعظيم فرص هذه الدولة في الاضطلاع بمكانة أبرز ضمن سلسلة القيمة العالمية. وبالتأكيد لا نتحدث هنا عن المطارات والموانئ ووسائل النقل وحسب; بل تجدر الإشارة أيضا إلي القوي العاملة في الإمارات العربية المتحدة والتي تحظي بأعلي كلفة مقارنة بالدول الأخري في المغرب العربي علي سبيل المثال. وأما بالنسبة للإنتاج القائم علي التصنيع الماهر أو نصف الماهر, فيمكن القول بأن مصر والمغرب تحظيان بموقع أفضل من أي دولة في الخليج. هندسة الانتشار الدولي نعلم أن سلسلة القيمة العالمية تضم أكثر من مجرد إنتاج المصانع. وقد باتت شركات اليوم تبحث عن سبل تتيح لها هندسة الانتشار الدولي لأنشطة سلسة القيمة بما في ذلك التصميم والإنتاج والتسويق والتوزيع وغيرها. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل تملك الاقتصادات العربية اليوم زخما ومساحة أكبر لوضع بصمتها علي خريطة التجارة العالمية المتصلة عبر الإنترنت؟ بالرغم من ظهور مبادرات ثنائية ودولية طيبة, فلا زالت المنطقة تواجه تحديات وعقبات صعبة. نذكر علي سبيل المثال برنامج التنافسية الخاص بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الشرق الأوسط وشمال أفريقيا, وهو البرنامج الذي جمع بين واضعي سياسات مكافحة الفساد والمتخصصين من الحكومات والقطاع الخاص بهدف تحديد الممارسات الجيدة التي من شأنها الارتقاء بمستوي النزاهة في عالم الأعمال في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وبالرغم من وجود هذا البرنامج, فقد أكدت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وجود عدد كبير من الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم في العديد من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تعاني من عيب في بنيتها وهيكلها يجعل من الصعب عليها الحصول علي مصادر التمويل الخارجي. مما قاله الخبراء في اجتماع مجموعة العمل التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية- الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الذي انعقد في دبي في مارس2016: يعتبر الإقراض المصرفي المصدر الرئيسي للتمويل الرسمي وهو مقيد بالبيئة القانونية والتنظيمية متدنية الجودة, ناهيك عن محدودية الأسواق المالية وغياب المنافسة بين المؤسسات المصرفية والمالية. تطوير الاقتصادات العربية المنفصلة وهنا يكمن تحد كبير. بغية تعزيز الحلقة العربية في سلسلة القيمة العالمية, ينبغي إضفاء صبغة دولية أكبر علي الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم المبادرة والمغامرة. ويختلف الأمر بالنسبة للشركات متعددة الجنسيات; فهي لا تحتاج لمثل هذا التشجيع لأنها شركات متعددة الجنسيات بالفعل. يجري تنظيم ورش عمل في مختلف بلدان الجامعة العربية بهدف وضع آليات متقنة للوصول إلي سوق اقتصادي أكثر عالمية. ويتركز العمل في هذا الإطار علي مجالات معينة مثل معاهدات الاستثمار الدولية ونزاعات الاستثمار والتحكيم. وبفضل مثل هذا النوع من الجهد والاستثمار في مختلف بلدان الشرق الأوسط, سيتسني لنا تطوير أكثر الاقتصادات العربية اتصالا وأكثرها قيودا. لنأخذ العراق علي سبيل المثال, فهذه الدولة تعاني من نقص شديد في التنوع في اقتصادها. وليس من المستغرب اعتماد هذه الدولة علي قطاع المحروقات بشكل أساسي, ولكن النمو الاقتصادي طويل الأمد لن يتحقق إلا من خلال توفير قاعدة تجارية أكثر تنوعا. موضوعات متكررة للمستقبل بهدف مواصلة تعزيز الحلقة العربية في سلسلة القيمة العالمية, علينا العمل علي مجموعة من الموضوعات المتكررة مثل تنمية رأس المال البشري والتمكين الاقتصادي للمرأة واللذان يعتبران في غاية الأهمية. وبحسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية فإنه رغم التقدم الهائل الذي شهده قطاع التعليم علي مدار العقود الماضية, لا تزال مشاركة القوي العاملة النسائية في المنطقة الأقل في العالم بنسبة24% مقارنة بنسبة62% في اقتصادات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. إن عنصرا النزاهة في الأعمال وحوكمة الشركات أيضا لهما أهمية قصوي. وفي ظل سلسلة القيمة العالمية الجديدة التي اكتسبت صبغة أكثر رقمية, سيكون علي الشركات العربية التواجد أو إبداء الاهتمام في السوق الأوروبية وأن تعرف ماذا في جعبة الاتحاد الأوروبي في مجال إدارة البيانات بموجب لائحة الاتحاد الأوروبي العامة لحماية البيانات. في مقال نشر مؤخرا في فوربس لشركة فيريتاس المختصة بحفظ المعلومات أفادت بأن الشركات العربية العاملة في أوروبا( أو التي تستهدف عملاء أوروبيين) أمامها الآن سنتين لتطبيق الإرشادات والتوجيهات المنصوص عليها في اللائحة. عليهم حصر الجهات المسؤولة عن أمن البيانات وتفصيل كيفية تدفق البيانات بين دول الاتحاد الأوروبي والدول خارج المنطقة. أفاد مركز جامعة دوك المعني بأبحاث العولمة والحوكمة والتنافسية بأن دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بحاجة ماسة لمناهج مستدامة لتحقيق النمو الاقتصادي والحد من مكامن الضعف وخلق فرص العمل وتعزيز إنشاء قطاع خاص يتسم بالشمولية والقدرة التنافسية العالية. وعليه, فإن التحدي هنا هو تحدي عالمي وتحدي رقمي وتحدي متصل عبر الإنترنت. ولكنه في الوقت نفسه قضية محلية ومسألة داخلية وشأن يختص في تمكين القوي العاملة. وفي ظل نمو سكاني يعد من أسرع معدلات نمو السكان في العالم, تعتبر الحلقة العربية في سلسلة القيمة بمثابة شريان الحياة للازدهار في المستقبل. حان الوقت الآن لتحقيق استمرارية متسلسلة ومتشابكة نحو الداخل والخارج. متخصص في شئون تطوير البرمجيات وإدارة المشروعات والتكنولوجيا