لا شك أن الخلاف بين الرئيس الأمريكي باراك أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتانياهو يعد نقطة تحول في العلاقات بين البلدين خاصة فيما يتعلق بالمستوطنات غير المشروعة التي بنتها تل أبيب علي الأراضي المحتلة أو ما يتعلق بالملف النووي الإيراني. بينما ضاق اليهود الأمريكيون ذرعا بالاحتلال الإسرائيلي الذي تحل ذكراه الخمسون العام القادم. كل ما سبق يدفع إسرائيل للانزلاق الي حالة العزلة التي تفرضها الحركة العالمية لمقاطعة وسحب الاستثمارات منها بل فرض العقوبات عليها(BDS).. وفي الوقت الذي تزداد فيه إسرائيل تشددا وتطرفا تنزلق الدول المجاورة لها في الشرق الأوسط الي موجة لا ترحم من الفتن الطائفية, كما تترنح أوروبا تحت وطأة أزمة المهاجرين بينما ترحب إسرائيل باليهود المهاجرين من أوروبا. وبينما لا ينخرط نيتانياهو في حروب لا داعي لها فانه في نفس الوقت يرفض السلام مع الفلسطينيين مما يسبب احباطا شديدا لإدارة أوباما. والغريب انه في الشرق الأوسط المضطرب أصبحت تل ابيب أكثر أمنا من أي وقت مضي. ففي عام1948 واجه700 ألف يهودي تحديا كبيرا للفوز بالاستقلال ضد الجيوش المحتشدة في العالم العربي. واليوم هناك6 ملايين يهودي في إسرائيل وأصبحت تل أبيب بين القوي العسكرية المهمة في العالم. ويقول بني زيفر المحرر بصحيفة( هآرتس) الإسرائيلية ان هناك إجماعا إسرائيليا( حكومة وشعبا) علي استمرار الاحتلال الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية, وبعد نحو نصف قرن علي عدوان67 يعيش5% من الإسرائيليين في مستوطنات الضفة الغربية. وبدأت إسرائيل وروسيا بمغازلة بعضهما البعض خاصة في عصر تخلي واشنطن عن منطقة الشرق الأوسط كما ان علاقة تل ابيب مع الهند والصين أصبحت مزدهرة. والفكرة التي تروج لها إسرائيل لكسب تعاطف الغرب هي ان مواطنيها يعيشون في حالة دائمة من الخوف وهو الأمر الذي لا يقتنع به قادة إسرائيل في الحقيقة. وهناك سحابة تلوح في أفق إسرائيل وتهدد استقرارها وهي ليست القنبلة النووية الإيرانية المزعومة او التهديدات الخارجية بالمقاطعة أو مناورات فلسطين في الأممالمتحدة, ولكنها تخشي حدوث فراغ في السلطة وفك الارتباك مع أمريكا الذي بدأ قبل دخول أوباما البيت الأبيض. وذكر ريتشارد هاس رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي ان العصر الأمريكي في الشرق الأوسط قد انتهي. وأضاف أن أمريكا سوف تستمر في التمتع بالمزيد من النفوذ في المنطقة أكثر من أي قوة خارجية أخري لكن سيتم تخفيض نفوذها عما سبق, وبينما كان ذلك اقتراحا قابل للمناقشة عام2006 أصبح في2016 أمرا لا جدال فيه. قادة إسرائيل لا يخجلون من التحذير من مغبة هذا الموقف الأمريكي لكنهم يحرصون علي عدم التفكير بصوت عال بشان الخيارات الإسرائيلية في مرحلة ما بعد أمريكا في الشرق الأوسط. ولا شك أن إسرائيل تطمح الي مذكرة تفاهم جديدة مع الولاياتالمتحدة كتعويض عن الاتفاق النووي مع إيران, ومن مصلحة تل أبيب تأكيد أهمية العلاقات بينها وبين أمريكا باعتبارها حجر الأساس للاستقرار الإقليمي. تاريخيا لم تتبن أمريكا إسرائيل فكانت تل أبيب بمفردها في الثلاثينيات من القرن الماضي عندما أغلقت أبوابها ليواجه اليهود المحرقة, كما كانت بمفردها عام1948 عندما وضعت الولاياتالمتحدة إسرائيل في ظل الحظر المفروض علي الأسلحة, وفي1967 عندما أعلنها الرئيس الأمريكي ليندون جونسون صراحة أن الإسرائيليين اذا ذهبوا للحرب سيكونون بمفردهم. وبعد عام1967 بدأت العلاقة الخاصة بين إسرائيل وأمريكا حيث تعمق اعتماد إسرائيل علي أمريكا خاصة في المجال العسكري بما ساعدها علي البقاء علي قيد الحياة, الا ان إدارة أوباما جعلت إسرائيل تواجه حقيقة بدء تخلي واشنطن عنها, ولذا تسعي اسرائيل لتنويع علاقاتها مع العالم. وذكرت مجلة( فورين أفيرز) الأمريكية ان الهرولة للتطبيع مع إسرائيل أصبحت تفوق التحركات لدفع عملية السلام بينما يتصاعد التهديد في الدول العربية المجاورة لإسرائيل والتي تتنوع بين الانقسام السياسي والانكماش الاقتصادي والكراهية والطائفية.