من ينظرلأحوال الناس بين آخر شعبان، وأول رمضان، يرى كيف يتغير المجتمع برمته فى ليلة واحدة! مساجد ممتلئة بالمصلين. وذاكرين ومرتلين. ومنفقين ومتصدقين. وبكاء ونحيب مبتهلين وموائد عامرة لفقراء.وأدب وأخلاق فى شوارع كانت تمتلئ بالسباب.الخ حتى فى ظل الفرقة والشتات والاختلاف والشرخ العميق فى علاقات الأمة الإسلامية لا شيء يوحدها سوى شهر رمضان الكريم. وهنا يطرح السؤال نفسه: طالما أن رمضان يعلمنا أن فى نفوسنا قدرة وقوة، لا تقف فى وجهها صعاب، ولا تعوقها سدود، فلماذا تعجز هذه النفوس عن الإصلاح والتغيير لوطنها ودينها وشعوبها؟! صحيح المسألة تختلف ولا أحد يتغير فجأه، فلا أحد يعلم عدد الليالى التى سهرتها تبحث عن نفسك وعن الذين خانوا عشرتك، ولا سبب كمية الهالات السوداء حول عينيك. ولا أحد يستطيع تقدير حجم التعب الذى تنفثه تنهيداتك المحترقة، وكمية الكلمات التى اختنقت فى صدرك. لا أحد على هذا الكوكب يعلم كم مرة ركلتك الدنيا، وكم مرة سقطت مغشيا على حلمك.لا أحد يعلم كمية اليأس والبؤس المدفون بداخلك من جنون الأسعار، وقصر المناصب على أهل الثقة وأنصاف الموهوبين والشللية!. كل ذلك وأكثر نعانى منه جميعا. لكننا بحاجة للحظة نغلق فيها عين القلب والشهوات، ونفتح عين العقل، لنرى بعقولنا حقائق لم نكن نراها بقلوبنا، ونرى السعادة فى دموع التخاذل عن العمل من أجل رفعة الدين والوطن وخدمةالآخرين. وأسوق لك حكاية ابن التاجرالذى كان يشكو من التعاسة فأرسله والده إلى رجل حكيم ليعلمه معنى السعادة. وحين وصل للحكيم وجده يعيش فى قصر فخم وعظيم وكبير، وطلب منه الحكيم أن يمشى بين جنبات القصر لمدة ساعتين، ووضع بين يديه ملعقة بها قليل من الزيت وقال له: ارجع لى بهذه الملعقة، واحرص على ألا يسقط منها الزيت. فخرج الشاب وطاف بكل نواحى القصر ثم رجع إلى الحكيم فسأله: هل رأيت حديقة القصر الجميلة المليئة بالورود؟ قال الشاب: لا فسأله مرة أخرى: هل شاهدت مكتبة القصر وما فيها من كتب قيمة؟ فرد الشاب: لا فكرر الحكيم سؤاله: هل رأيت التحف الرائعة بنواحى القصر؟ فأجاب الشاب: لا فسأله الحكيم: لماذا؟ فرد الشاب: لأننى لم أرفع عيونى عن ملعقة الزيت خشية أن يسقط منى! فقال له الحكيم: ارجع وشاهد كل ما أخبرتك عنه. وعندما رجع سأله الحكيم: ماذا رأيت؟ فانطلق الشاب يروى ما رآه من جمال وهو منبهر وسعيد. فنظر الحكيم لملعقة الزيت بيد الشاب فوجد أن الزيت سقط منها! فقال له: انظر يا بنى، هذا هو سر السعادة! فنحن نعيش فى هذه الدنيا وحولنا الكثير من نعم الخالق، ولكننا نغفل عنها ولا نراها ولا نقدرها لانشغالنا عنها بهمومنا وصغائر ما فى نفوسنا التى تستحق أن نتوقف عندها. السعادة يا بنى أن تقدر النعم وتسعد بها وتنسى ما ألم بك من هموم وكروب مثل ملعقة الزيت نسيتها حين التفت للنعم من حولك. ومن الظلم للنفس أن نسجنها فى جدران الكآبة والبعد عن الدنيا والدين. سُئل ابن مسعود: كيف كُنتم تستقبلون شهر رمضان؟ قال: ما كان أحدٌ يجرؤ أن يستقبل شهر رمضان، وفى قلبه مثقال ذرَّة حقدٍ على أخيه المُسلم. إن اخطأت اعتذر، وإن حزنت. ابك، وإن أحببت أفصح، وإذا فرحت عبر، والأهم: لا تكره أحدا ولاتؤذ أحدا ولاتحسد أحدا. وكن مع الله يكن معك.كل لحظة وأنتم فى طاعة.