للمرة الثانية خلال أربع سنوات فقط, يصر مهرجان كان السينمائي الدولي علي تغيير كل قواعده ولوائحه التي يتشدق بها ليل نهار من أجل عيون المفكر والفيلسوف الصهيوني برنار أونري ليفي. فقد أعلن أمس عن إضافة فيلم لليفي بعنوان بشمرجة إلي قائمة الاختيار الرسمي, وفي قسم عروض خاصة تحديدا, بعد خمسة أيام كاملة من افتتاح المهرجان, في حين أنه يرفض أفلاما لكبار مخرجي العالم- ومنهم أمير كوستاريتسا أخيرا- بحجة تأخرهم عن آخر موعد للتقديم في أبريل يوما أو اثنين! وفي محاولة ساذجة للتبرير, قال المهرجان- في بيان- إن مسئوليه اكتشفوا فيلم ليفي للتو, وإن الأخير بذل مجهودا كبيرا وقام برحلة شاقة وخطيرة علي الجبهة العراقية طولها ألف كيلومتر ليصنع فيلما عن المقاتلين البشمرجة الأكراد بمناطق وعرة ووسط أجواء حربية. وأوضح البيان أن الفيلم- ومدته92 دقيقة من إنتاج فرنسا- سيعرض الجمعة المقبل في الثالثة عصرا بقاعة بازان بقصر المهرجانات, وأنه من المحتمل إقامة عرض ثان له في اليوم التالي بناء علي طلب الجمهور! لهجة غريبة من إدارة كان التي تعد نموذجا للدقة والصرامة في تطبيق القواعد, إلا مع هذا الرجل المريب.. فقد سبق لها- عام2012- أن فجرت قنبلة فنية وسياسية عندما أعادت فتح قوائم الاختيارات الرسمية للمهرجان بعد نحو ثلاثة أسابيع من إغلاقها, وأضافت فيلما وثائقيا لليفي عن الثورة الليبية, ووضعته في نفس القسم عروض خاصة. ولكي تدرك خطورة ليفي, يكفي أن تعرف أن جيروزاليم بوست, وهي أكبر الصحف الإسرائيلية كما هو معروف, وضعته في قائمة من50 شخصا فقط اعتبرتهم أكثر اليهود تأثيرا علي مستوي العالم.. كما يذكر موقع ويكيبيديا الإلكتروني العالمي أن موضوع مقالاته المفضل هو معاداة السامية. ولذلك ثار علي الفور غضب- وكذلك دهشة- المثقفين والسينمائيين العرب, الذين يعتبر كثير منهم ليفي جاسوسا صهيونيا خطيرا يعمل لمصلحة إسرائيل, ويؤمن بعقيدة الوطن الأكبر من النيل إلي الفرات, واندلع مجددا في كان الجدل العربي- الغربي حول الرجل وأعماله.. ففي حين تتخذ معظم الأوساط العربية هذا الموقف منه, وتقول إن مهرجان كان يتحدي بدعوته العرب, تعتبره الأوساط الغربية رمزا للحرية والإنسانية, وتصفه بأنه صاحب دور محوري في الربيع العربي. ليفي, الذي يوصف بأنه أحد الإلكترونات التي تحركها إسرائيل في أوقات الأزمات, ولد لعائلة يهودية ثرية بالجزائر في5 نوفمبر1948 إبان الاحتلال الفرنسي للجزائر, وانتقلت عائلته لباريس بعد أشهر من ميلاده. درس الفلسفة في جامعة فرنسية راقية وعلمها فيما بعد, واشتهر كأحد أهم قادة حركة الفلسفة الجديدة سنة1976, وهي جماعة انتقدت الاشتراكية بلا هوادة واعتبرتها فاسدة أخلاقيا, وهو ما عبر عنه في كتابه الذي ترجم لعدة لغات البربرية بوجه إنساني عام.1977 جعله ميلاده في الجزائر يركز تفكيره في كل ما يتعلق بالدول الإسلامية, وفي1981 زار أفغانستان وسلم المقاومين معدات لإنشاء إذاعة أفغانستان الحرة, وكان من أوائل المفكرين الفرنسيين الذين دعوا إلي التدخل في حرب البوسنة عام.1990 تبني قضية سلمان رشدي, وفي2001 أصدر تأملات حول الحرب ضد الشر ونهاية التاريخ, مما دفع الرئيس جاك شيراك لتكليفه بمهمة خاصة في أفغانستان, وفي2003 شغلته قضية مقتل دانيال بيرل الصحفي الأمريكي الذي تمت تصفيته في باكستان, حيث أصدر كتاب من قتل دانيال بيرل؟. ويعد ليفي من أكبر الداعمين للجيش الإسرائيلي, حيث زار جبهة حرب يوليو2006, وجبهة الحرب علي غزة عام2008, حين دعا ل تحرير الفلسطينيين من حركة حماس.. وفي نفس العام, نشر كتابه يسار في أزمنة مظلمة: موقف ضد البربرية الجديدة, الذي ذكر فيه أن اليسار بعد سقوط الشيوعية فقد قيمه واستبدلها بكراهية مرضية تجاه الولاياتالمتحدة وإسرائيل واليهود, وأن النزعة الإسلامية لم تنتج عن سلوكيات الغرب مع المسلمين, بل عن مشكلة متأصلة, وأن النزعة الإسلامية تهدد الغرب تماما كما هددتها الفاشية يوما ما... وأكد أن التدخل في العالم الثالث بدواع إنسانية ليس مؤامرة إمبريالية بل أمر مشروع تماما. وفيما كان خلال العقد المنصرم كله من أكبر الداعين للتدخل الدولي في دارفور غرب السودان, أقدم- في افتتاح مؤتمر الديمقراطية وتحدياتها بتل أبيب في مايو2010, علي إطراء جيش الدفاع الإسرائيلي بشكل غير مسبوق, معتبرا إياه أكثر جيش ديمقراطي في العالم. وقال: لم أر في حياتي جيشا ديمقراطيا كهذا يطرح علي نفسه هذا الكم من الأسئلة الأخلاقية. ثمة شيء حيوي بشكل غير اعتيادي في الديمقراطية الإسرائيلية. وفي كل الأحوال, ليس لليفي علاقة مباشرة بالسينما, إلا أن له تجربة إخراج فيلم روائي وحيد هو الليل والنهار, بطولة آلان ديلون(1997), لكن فشله النقدي والجماهيري جعله يحجم عن تكرار التجربة. أما في مجال السينما الوثائقية, فيعد بشمرجة ثالث أعماله بعد قسم طبرق(2012) وفيلمه الأول البوسنة(1994), الذي عرض في كان هو الآخر وأثار زوبعة من الجدل, حيث أدان النقاد والصحفيون ظهور الفيلسوف ذي الياقة البيضاء وسط ضحايا التطهير العرقي في سراييفو, مستغلا معاناة البوسنيين لاجتذاب أضواء الشهرة والنجومية والترويج لأفكار التدخل الإنساني.