استمرت ونشطت الصهيونية السياسية مستغلة علاقاتها المريبة بالغرب, وخاصة بريطانيا بعد ذلك, للعمل علي تحقيق أهدافها بكل اجتهاد في سبيل تحقيق مخططها لإقامة الدولة اليهودية في فلسطين وأصبح وعد بلفور بعد قبوله في مؤتمر سان ريمو1920 دستورا للسياسة البريطانية في فلسطين يهتدي به في تنظيم مخططاتها الاستعمارية, وخاصة بعد أن أقر مجلس عصبة الأمم( المنظمة الدولية) في14 يوليو1922 انتداب بريطانيا علي فلسطين. فسارعت الصهيونية مركزة جهودها علي تنظيم الهجرة اليهودية إلي فلسطين والتي بلغت ثلاث هجرات اخرها1919 وبلغت90 ألف مهاجر وإقامة المستعمرات اليهودية فيها لوضع أسس الوطن القومي لليهود, حيث أكد ذلك حاييم وايزمان( أول رئيس لدولة إسرائيل فيما بعد) بقوله: طبعا يلزمنا أن تبقي قضيتنا ماثلة أمام مجالس العالم إلا أن عرضنا لقضيتنا لن يقدر له النجاح والفعالية إلا إذا قامت معه أعمال الهجرة والاستيطان والتعليم كما أضاف زعيم وقائد الاستيطان اليهودي ورئيس وزراء إسرائيل فيما بعد ديفيد بن جوريون بقوله:أنهم كانوا دوما مقتنعين( يقصد بريطانيا) بأن عملهم لن يحقق النجاح إلا إذا ساندته إنجازات اليهود الاستيطانية بفلسطين, وان جهودهم تظل عاقرة بدون الدعم الذي يأتيها من الصهيونية العملية( الاستيطانية)..وما لم نوسع رقعة استيطاننا البشري فإن جميع مساعينا السياسية مع بريطانيا مهما كانت بارعة ونشيطة فلن تسفر عن شيء فالانجاز المادي أقوي حجة سياسية وأكثرها تأثيرا علي الحكومة المنتدبة( بريطانيا) أو أية حكومة أخري. قامت الدول الغربية المتحالفة مع الصهيونية العالمية باتباع خطة خداع استراتيجي للعرب والفلسطينيين مع زيادة فاعلية وسرعة إنشاء المستوطنات والمستعمرات والكيانات والمؤسسات اليهودية في فلسطين للبدء في المرحلة الثانية من إقامة الدولة اليهودية, كما جاء بأسفار العهد القديم( كما فعل نبي الله موسي بأمر الرب في العودة الي أرض الميعاد) وبعدما انتهت المرحلة الاولي بعد الحرب العالمية الاولي وذلك بإعلان وعد بلفور واقتطاع فلسطين من الشام وفرض الانتداب البريطاني ومع استمرار انتهاج الحكومات الغربية والصهيونية السياسية سياسة الخداع والغش والكذب مع العرب والفلسطينيين وإصدارهم الوعود والتصريحات التي تطمئن العرب علي حقوقهم وخاصة في ارض فلسطين, ومن هذه الإصدارات والتصريحات والوعود:تصريح الرئيس الأمريكي ولسن سنة1915 بأن الفتح والاستيلاء ليسا داخلين في برامج الحكومات الديمقراطية ولا يتفقان مع مذاهبها..تصريح الجنرال اللنبي يوم دخوله القدس في1918/12/29 بأن غاية الاحتلال البريطاني هي تحرير فلسطين من النير التركي وإنشاء حكومة وطنية حرة فيها إعلان لويد جورج رئيس وزراء بريطانيا في1918/1/15 أن بريطانيا تعترف بحق فلسطين وسورية والعراق والجزيرة العربية في الحرية والاستقلال وتكوين حكومات وطنية فيها. وفي1918/2/8 أرسل بلفور صاحب التصريح الشهير برقية إلي الشريف حسين بن علي باسم الحكومة البريطانية ودول الحلفاء جاء فيها وحكومة صاحب الجلالة البريطانية تؤكد مرة أخري وعودها السابقة بتأييد استقلال العرب ومساعدة البلاد العربية التي لم تنل استقلالها حتي الآن بالحصول علي هذا الاستقلال بعد انتهاء الحرب..وأصدرت بريطانيا وفرنسا في1918/11/7 تصريحا أكدتا فيه أن السبب الذي حاربنا من أجله في الشرق هو تحرير الشعوب العربية من الاستعمار العثماني, وإقامة حكومات وإدارات وطنية تستمد سلطتها من اختيار الأهالي الوطنيين فيها اختيارا حرا. لقد التزم الحلفاء صراحة وعلنا بتأييد استقلال فلسطين وإنشاء حكومة وطنية فيها يختارها شعب فلسطين العربي..وهذا ما تمسك به العرب منذ البداية علي لسان فيصل بن الحسين أمام مؤتمر السلم بفرساي وكذلك في القرارات التي أصدرها المؤتمر السوري العام..1919, أي أن حق فلسطين في الاستقلال التام حق ثابت قانونيا..ولكن ماذا تحقق من هذه الوعود هو ما سنعرضه في المقال القادم. مستشار أكاديمية ناصر العسكرية العليا