طريق التغيير ليس مفروشا بالورود.. كما أن تغيير دولة في حجم مصر لن يكون بجرة قلم أو بطريقة كن فيكون.. صحيح أن ثورة25 يناير قد حققت كل مطالبها في زمن وجيز.. لكن الصحيح أيضا أن المستقبل يولد من رحم الحاضر مثلما ولد الحاضر من رحم الماضي.. ومن لم يكن له تاريخ فلن يكون له مستقبل مشرق. ويقيني أن اللحظة الراهنة التي تمر بها مصر.. لحظة دقيقة وحساسة ولا تحتمل أي خطأ في الحساب لأن إسقاط نظام قائم أسهل كثيرا من بناء نظام جديد قادر علي البقاء, ويحظي بتوافق كل الآراء ولا يستثني أحد من المشاركة في صناعة المستقبل. إن المجلس الأعلي العسكري لا يملك عصا سحرية لتلبية جميع المطالب المطروحة عليه.. ويتعين علينا أن نمنحه الوقت الكافي لإنجاز المهمة ووضع البلاد علي أعتاب الدول الديمقراطية عن طريق إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية نزيهة تعكس إرادة الناخبين ولا تفرض عليهم مجلسا تشريعيا علي مقاس هذا الحزب أو ذاك. إنني استغرب كثيرا من محاولات الضغط ومن استمرار المسيرات الحاشدة في ميدان التحرير لأن المجلس العسكري آل علي نفسه منذ البداية أن ينقل السلطة إلي حكومة مدنية.. كما أنه شكل لجنة لتعديل أحكام الدستور بدأت عملها وشرعت في اتخاذ خطوات ملموسة علي طريق إصلاح الحياة السياسية بداية من تعديل سلطات وصلاحيات رئيس الجمهورية بحيث تقتصر علي مدتين فقط بحد أقصي6 سنوات للولاية الواحدة. إنني أتعجب من انفجار موجات الاحتجاجات الفئوية وحالة التمرد التي تعيشها المؤسسات والنقابات بدعوي الثورة لأن الثورة في معناها الحقيقي لا تعني نسف كل ما هو قائم وإملاء أي فرد أو فصيل رؤيته علي الآخرين فهذا الأمر لا يستقيم مع المنطق أو الإصلاح المدروس المبني علي الموازنة بين الرغبة والقدرة كما لا يتناسب مع روح مصر. إن ميزة ثورة25 يناير وأزمتها في الوقت نفسه أنها بلا رأس أو مرجعية مما يفتح الباب علي مصراعيه أمام المزايدين والمغامرين والباحثين عن السلطة والنفوذ.. لكن بقليل من التعقل والحكمة وقراءة دروس السابقين يمكن أن توفر لها كل سبل النجاح. ياسادة اللحظة الراهنة.. لحظة للعمل الجاد والعطاء بلا حدود وإنكار الذات وليست لحظة لحصد المكاسب الفئوية الضيقة.. فلا تفسدوا فرحتنا بالثورة النبيلة بتحويلها إلي مزاد لاقتناص المزايا والأموال.. لأن ما نراه من عصيان وتمرد داخل المؤسسات الإنتاجية هو الخطر بعينه علي مكتسبات المصريين.. وما أنجزته ثورة25 يناير التي صارت نموذجا ملهما للمنطقة والعالم بأسره.. فهل نحن فاعلون؟ أم تضيع منا البوصلة في منتصف الطريق. لقد خرج المصريون في مسيرات مليونية ابتهاجا بنجاح ثورة الشباب وتكرر المشهد يوم الجمعة الماضي وهو شيء جدير بالتأمل لشعب لم يكن يخرج في مسيرات إلا من أجل كرة القدم وانتصارات المنتخب. وما يدعو للتفاؤل أنه لم يعد لدينا ما يسمي بحزبي الأهلي والزمالك, لكن باتت لدينا قوة هائلة تحتاج إلي من يوظف طاقتها في مشروعات وبرامج وأحزاب.. تقضي إلي غير رجعة علي السلبية واللا مبالاة بما يجري في الشارع السياسي.. لقد باتت الجماهير الغفيرة هي الحاكم بأمره في مستقبل جموع السياسيين, ولم يعد مسموحا من الآن بتزوير إرادتها مهما كانت المبررات.