الحدث الكبير الذي نعيشه الآن وضع بلدنا في حالة جديدة.. شباب ينتفض بمطالبه, تعاطف تتسع دائرته يوما بعد يوم لتصوغ مطالب أمة بجميع طوائفها, ونظام سياسي يعترف بمشروعية تلك المطالب ويسعي إلي حماية هؤلاء الغاضبين المعتصمين في قلب القاهرة. والنتيجة خطوات تسارعت علي طريق الإصلاح وساحات التغيير. كل الاطراف الحاكمة والمؤثرة في القرار السياسي.. اعترفت بحقيقة لا عناد فيها هي أن الشعب صاحب قرار الاختيار.. ولابديل عن احترامه. تمثل ذلك بوضوح في الإعلان عن جمهورية جديدة ورئيس جديد.. فقد أعلن الرئيس مبارك عبر خطابات متتالية للأمة بوضوح لا لبس فيه عدم ترشحه وأنه سيقوم بتسليم الأمانة بالأسس الشرعية والدستورية. ونري في كلا الموقفين.. موقف الشباب وموقف الرئيس.. نبلا واستقامة.. ورغبة أن تتم المرحلة الانتقالية بلا فوضي أو تحميل الشعب والمجتمع بأعباء وتكلفة مادية ومعنوية تعوق قدرة المجتمع والدولة علي المضي في طريق الإصلاح. لم تكتف الأطراف الفاعلة علي المسرح السياسي بخطابات للنوايا. بدأت الخطوات علي الأرض في اتجاه واحد ولارجوع عنها. الخطوات تسرع نحو التغيير وصياغة ملامح مستقبل الحياة السياسية في مصر. أصبح في مصر بعد قرابة ثلاثين عاما نائب للرئيس هو عمر سليمان, الشخصية التي كانت مطلبا شعبيا منذ سنوات. وجاء الرجل ليتولي إدارة عمليات التغيير في أخطر المراحل التي عاشتها مصر في تاريخها الحديث. وهناك حكومة جديدة راغبة وقادرة علي المضي في الطريق الذي يريده الشعب. حكومة يتحمل مسئوليتها رجل عرفه المصريون من قبل ويثقون في قدرته علي قيادة العمل التنفيذي في تلك المرحلة. علي الأرض أيضا جاءت قوي سياسية جديدة تناقش وتحاور وتطالب وتعكس آمال جيل كامل لم ننتبه إليه. برزت أحزاب وجماعات وتوارت أخري تصحح أخطاءها. لقد تغير تماما المشهد السياسي المصري. تغير ليحمل معه ملامح واقع سياسي جديد وينهي واقعا سياسيا مضي بكل أخطائه. في الطريق إلي الواقع السياسي الجديد عمل جاد يمضي لصيغة ملامح ذلك الواقع. لجنة تنعقد عليها الآمال استدعت كل خبراء الوطن والقانونيين والدستوريين لإحداث المتغيرات السريعة في المواد الدستورية الخاصة بطريقة انتخاب الرئيس القادم لاتاحة الفرص الواسعة لكل السياسيين الحزبيين والمستقلين بل وكل القوي السياسية المختلفة التي تري في نفسها القدرة علي حكم مصر للتقدم للترشيح وليكون صندوق الاقتراع الحكم والفيصل بين الجميع. أجهزة كثيرة في الدولة تلاحق التطورات الجديدة بملاحقة الفساد والتحقيق في الجرائم التي ارتكبت بحق الوطن والمواطنين. كل ذلك يجري والأحداث لم تبلغ نهايتها بعد. فالمظاهرات لاتزال تجوب البلاد والاضطرابات تعبر عن نفسها والصعوبات في طريق التغيير كثيرة وأجهزة الامن لم تستعد عافيتها بعد. الجهود تسابق الزمن حتي لاتسقط مصر في أتون فوضي غاضبة تزلزل كيان الوطن سنوات وتغتال آمال الشباب التي من أجلها خرجوا. ووسط المخاوف الكثيرة تتجه الأنظار إلي القوة القادرة علي حماية الأمن وضمان الاستمرار والتي أشاعت روح الثقة في قدرتنا علي اجتياز تلك المحنة الصعبة في غياب الأمن للناس في بيوتهم. فقد كانت وقفة رجال القوات المسلحة في طول البلاد وعرضها مبعثا للأمل في ألا تسقط مصر فريسة للفوضي والاضطراب. كما كان شبابنا وأبناؤنا خير حارس فقد إنضموا بعفوية وقدرة وخيال وإبداع لم نكن نتوقعه يحرسون الشوارع ويقدمون نموذجا مصريا خالصا في التنمية الادارية المحلية كنا ننتظره طويلا فقد حمل حلما مصريا خالصا بأن يتخلص وطننا من المركزية المقيتة وأن نعطي لأبنائنا في القري والمدن والشوارع حق حكم أنفسهم وتطوير الإدارة المحلية من كل خلل وبيروقراطية وفساد عاشت فيه سنوات طويلة. هذا الموضوع كان حلمي الشخصي وتكلمت عنه طويلا في مقالاتي حول دور أبنائنا وشبابنا في كل مكان وفي وقت الأزمة وهذا سيتطور إذا أدخل عليه التنظيم والتدريب ليكون جزءا أصيلا من فلسفة حكم مصر في المستقبل وهوأن يتحمل شبابها إدارة وتقديم الخدمات لكل نواحي الحياة من النظافة الي تنظيم المرور وإدارة الشوارع والأحياء والقري, وتنظيمها وتلخيصها من العشوائية والفوضي وسوء الادارة. فكرة خيالية وصعبة التطبيق لكن روح انتفاضة25 يناير صنعت المعجزة في شوارع القاهرة وفي المدن المصرية, ويجب أن نتمسك بهذا التطور المذهل ويتم البناء عليه فلن تتطور البلاد أو الشعوب ولا يتم تنظيمها بدون مشاركة مواطنيها. نعود مرة أخري إلي الأفق السياسي الذي احدثته انتفاضة الشباب أو ثورتهم والمستقبل في الحوار السياسي الخلاق الذي أجراه السيد عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية مع القوي والأحزاب السياسية, وكان حوارا إيجابيا. صحيح أنه لم يتبلور بعد ولكنه لم يستثن أحدا حتي الاخوان المسلمين, وهي بادرة قوية وتعبير وإعتراف بالادوار السياسية المختلفة لكل القوي وهواتجاه يجب أن يحظي بالدعم والحفاظ عليه وأن ندمج الجميع في سبيكة سياسية مختلفة لحماية مصر وتطوير إداراتها السياسية في المستقبل في ظل إعتراف صريح من الجميع بفصل الدين عن السياسة وأن يحترم الجميع دستور وطنهم ويعملوا علي تطبيقه بروح جديدة ومختلفة تترجم طموح الوطن وأبنائه للمشاركه السياسية بلا تعنت مع أحد أو رغبة في تسلط أي قوة علي الأخري. التغييرات السريعة تفتح شهية الوطن للإسراع في إحداث التغيير, ولكن يجب أن ننبه إلي ضرورة إنضاج الثمرة.. فمصر ليست في حالة تغيير ولكن مصر تغيرت فعلا, والمهم الأن أن نستوعب اللحظة الراهنة ويتم انضاجها وتحويلها إلي مسار صحيح, فالكل الآن يخوض في عالم السياسة وهذا حقهم جميعا ولكنهم أمام تغير حقيقي لابد أن يحظي باحترام الجميع وفي مقدمتهم من يقود عملية التغيير, وخلق واقع سياسي جديد.. يجب أن نحذر الانقلاب علي الشرعية وأن نتمسك بها فهي وحدها التي تحقق مصالح كل المصريين, وتحمينا من أن يخطف ثورة الشباب وطموحهم أي قوة مهما كانت حتي ولو كانت نواياها طيبة وسليمة.. الشباب الآن هو المطالب بحماية مكتسباته, حماية الثورة من الفوضي ومن البلطجية ومن الإبتزاز ومن العصيان المدني وهو كثير في مجتمعنا حتي تظل ثورتهم نقية طاهرة لا يلوثها الأن من يمسكون بأهدافها ويتجهون لصناعة الفوضي ويمهدون الأمر لأي قوة قد تخطف روحها, لا نريد أن نتكلم بأسم الثوار أو نسلب حقهم فهم أصدق وأكثر روية ولكنهم عليهم أن يثقوا في أنفسهم, بل أن يثقوا في أن التغييرات الثورية التي تحدث حولهم, مصر لن تتوقف إلا أن تعلن جمهورية جديدة. ولكن المرحلة الانتقالية يجب أن تمر بسلام ولا يركبها أسوأ من يترصدون بمسارنا الصحيح.. نجحت الثورة وحققت أهدافها, بقي أن تنجح مصر وأن نكون قادرين علي إنجاحها وهذا لن يتحقق بالحديث حول السياسة فقط ولكن أن يأخذنا الحديث إلي الاقتصاد. كيف نعيد الاستثمارات وكيف نجذب المستثمرين الحقيقيين وليس تجارالأراضي أوالمنتفعين.. كيف نعيد السائحين؟ كيف نعيد الثقة في الوطن؟. الحكومة ودوواينها لا يمكن أن تتحمل تشغيل الناس أو استيعابهم.. والعبرة الآن ليست بالرفض أو الاحتجاج فقد حققا أهدافهما وبعثا برسالة قوية عن صوت الشعب الذي لا يغيب. [email protected] المزيد من مقالات أسامه سرايا