عرضت التعريف والتقديم للصهيونية السياسية واستكمالا لما سبق فإن الصهيونية السياسية اصطلاح مرادف لما يسمي الصهيونية الدبلوماسية وهو الأكثر تفسيرا وارتباطا بظاهرة الصهيونية عموما كما أن كلمة سياسية مصطلح شديد العمومية يفترض أن الصهيونيات الأخري ليست سياسية ولكن هذه الكلمة تعني في واقع الأمر المناورات السياسية للنخبة اليهودية التي تعمل في المجال السياسي أي الجهود الدبلوماسية. ولذا فان المصطلح يشير إلي الإجراءات التي تؤدي إلي تحقيق الهدف الصهيوني وهو السعي لدي القوي الامبريالية الاستعمارية الكبري في أوروبا لضمان تأييدها للمستوطن الصهيوني في فلسطين وتأييد ودعم الهجرة اليهودية تمهيدا لإقامة الوطن القومي اليهودي في الأرض المقدسة أرض الآباء الأوائل أرض فلسطين واستخدام اصطلاح الصهيونية السياسية للتفرقة بين الإرهاصات الصهيونية الأولي التي سبقت ظهور هرتزل من جهة جماعات أحباء صهيون أصحاب الاستيطان الأول في فلسطين وكذا من جهة قادة ومفكري الصهيونية التوطينية لأثرياء اليهود في الغرب ولكن الحركة الصهيونية التي نظمها هرتزل تعود بداياتها إلي عام1896 م عندما نشر كتابه الدولة اليهودية ولم تكن قيادات الصهيونية في مرحلة ما قبل هرتزل تدرك ضرورة وحتمية الاعتماد علي الامبريالية والقوي الاستعمارية لوضع المشروع الصهيوني موضع التنفيذ وكانت تظن أن الاستيطان اليهودي في فلسطين سيتم بالجهود الذاتية لليهود دون ضمانات من القوي الاستعمارية الأوروبية وقد عرف وايزمان الصهيونية السياسية( الدبلوماسية) بأنها تعني جعل المسألة اليهودية عالمية أي جزء من المشروع الاستعماري الغربي في المنطقة العربية. الصهيونية السياسية لا تختلف عن صهيونية غير اليهود في أن المؤمنين بها من أعضاء الجماعات اليهودية ولكنها تختلف عنها لأنها تنظر لليهود من الخارج باعتبارهم فائضا بشريا في أوروبا يجب التخلص منه بإنشاء دولة وظيفية له فالصهاينة السياسيون/ الدبلوماسيون هم عادة إما يهود جاءوا من ألمانيا أو يهود ذوو خلفية ألمانية أو غربية حديثة عقيدتهم سيطرت عليها الأفكار والأساليب العلمانية في حياتهم اليومية وأفكارهم المستقبلية لذا فهم مبتعدون تماما عن اليهودية بالمعني الاثني الديني أو حتي التلمودي أي أنهم يهود غير اليهود ولكنهم وجدوا أنفسهم متورطين في المشروع الصهيوني لأن أعداء اليهود صنفوهم يهودا بالإضافة إلي ان وصول يهود اليديشية من شرق أوروبا الشيوعي الاشتراكي هدد موقفهم وتطلب منهم تحركا سريعا باتخاذهم شكل الصهيونية التوطينية وهم لا يهتمون بالمشروع الصهيوني الا باعتباره مشروعا لتخليص أوروبا من الفائض البشري ولذا لم يعر هذا المشروع التوجه السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي أي اهتمام ويرجع السبب في ذلك لمعرفتهم بلغة الساسة وأصحاب النفوذ في العالم الغربي وكانوا قادرين علي أن يقوموا بدور الجسر بين الغرب والمادة البشرية المستهدفة في شرق أوروبا( اليهود) والمطلوب التخلص منها ونقلها الي خارج أوروبا. ولذا فقد تمكنوا من صياغة العقد الصهيوني الصامت وبذل الجهود السياسية والدبلوماسية العلنية والسرية وخاصة بعد معرفتهم للقرارات السرية والتي صدرت عن مؤتمر لندن السري عام1907 م بقيادة هنري كمبل بنرمان رئيس وزراء بريطانيا وما احتوته من قرارات ضد المنطقة العربية كلها فتم مساومة بريطانيا بعدم فضح القرارات للعرب او تقديم وعد لليهود بوطن قومي لهم في فلسطين وتم لهم ما أرادوا حيث ادت الضغوط الي عقد أو إعلان وعد بلفور والدليل علي ذلك أن هذه الجهود ضعفت إلي أدني حد بعد صدور وعد بلفور ومع ذلك تبني يهود العالم الغربي صيغة توطينية أخري بالإضافة الي كل أشكال الصهيونية العالمية حيث يمكن القول إن هرتزل هو المناور الصهيوني الأكبر بلا منازع وواضع أسس الصهيونية السياسية أو الدبلوماسية.. والي اللقاء القادم. مستشار أكاديمية ناصر العسكرية العليا