عرضت في المقال السابق أن للصهيونية العالمية عدة أشكال ولكل منها أسلوب عمل ومنهاج خاص ومفكريه ومؤسساته وأهدافه المخططة في إطار الصهيونية الأم وسنبدأ بعرض أول أشكالها وهو الصهيونية السياسية. إن الحركة الصهيونية هي حركة سياسية بحتة لا تستخدم الدين اليهودي ولم تأت من داخل أي تيار ديني يهودي ولم تبد رأيا في الديانة اليهودية أو في عقائدها أو تشريعاتها باستثناء عقيدة الماشيح المخلص من نسل داود ولكن بطريقة ذرائعية بحته لتنتفع بها في تحريك العامة من اليهود دون تقوية أهدافها السياسية بتشجيعهم وحثهم علي العودة الي أرض الآباء أرض فلسطين دون انتظار القدوم الديني للماشيخ المنتظر لحمايته من الاغيار الموجودين في ارض الميعاد ارض الآباء الأولين والتي وعدهم بها الرب كما جاء بأسفار العهد القديم وان العنصر الديني في الصهيونية غير أصيل واستخدمه الصهاينة لخدمة الحركة الصهيونية في تسهيل مهمتها والتعاطف معها ومساعدتها ودعمها في تنفيذ مخططاتها ولقد أعلن عن الصهيونية رسميا في المؤتمر الصهيوني الأول( الكنيست الأول-الكونجرس الأول) بمدينة بازل بسويسرا في1897 م حيث أعلن عن قيام المنظمة العالمية وصدور برنامج بازل وإذ أعلنت المنظمة الصهيونية عن مؤسساتها الرئيسية( المالية- الإدارية- الإعلامية) التي تستهدف اغتصاب أرض فلسطين وطرد شعبها منها بالقوة وتوطين اليهود مكانه وبدلا منه وإقامة دولة يهودية قومية تضم يهود العالم ويعترف بها العالم جميعه أي أن الهدف تكوين كيان قانوني(دولة). بدأت الصهيونية السياسية تنفيذ مخططها الاستعماري الاستيطاني وأخذ القائمون عليها نبذ الصهيونية الدينية شكلا وفكرة أرض الميعاد وفكرة الماشيح المخلص أيضا وبدأوا يفكرون عمليا في كيفية الاستيلاء علي الأرض أرض فلسطين وكيف يفرغونها من أصحابها من أجل إحلال اليهود بدلا منهم وبنوا خطتهم علي أساس علماني بحت علي طريقة الفكر الاستعماري السائد في الغرب الأوروبي ذلك أن اليهود مادة بشرية فائضة عن الحاجة الأوروبية وهم جزء من الطبيعة المادية يمكن أن يستوطنوا أي أرض(مادة من الطبيعة أيضا) في صورة الاستعمار الاستيطاني علي غرار ما حدث من البيض الأوروبيين في جنوب إفريقيا وبدأ هرتزل يوجه سهامه لعقيدة الماشيح المخلص أي نبوءة العودة إلي أرض الميعاد التوراتية لأنها ستعطل مشروعه وكان هرتزل يصف الرؤي القديمة بأنها رؤي متخلفة كما وصفها بن جوريون فيما بعد بالسلبية ولكن هرتزل طرح بدلا منها العودة بقوة السلاح بمساعدة القوي العظمي في الغرب مستغلا ما تم من هجرتين يهوديتين عامي1882 م-1904م لتأسيس الدول اليهودية حيث غير هرتزل ورفاقه من بعده من الصهاينة السياسيين طبيعة المشروع الصهيوني الديني وحولوه إلي مشروع صهيوني سياسي له خصائص المشاريع الاستيطانية الاستعمارية التي تقوم علي الآتي: تفريغ أوروبا من اليهود فيه فائدة تعود علي الدول الغربية التي تري في وجود اليهود بها عبئا اجتماعيا وامنيا واقتصاديا ثقيلا والتفريغ له فائدة عظمي للصهيونية. إن هذا المشروع( تفريغ أوروبا من اليهود وإحلالهم بفلسطين) يعتبر دعما سياسيا وماديا متبادلا لأن الكيان الصهيوني سيشمل وسيشعل كل بلاد المنطقة في صراع مرير وبالتالي سيشغلها عن الأخذ بالتنمية في كافة المجالات فتظل متخلفة وفي غياب تام عن الوعي بأهداف الامبريالية والاستعمار الغربي في المنطقة وبالمقابل فان الاستفادة العظمي ستكون للدول الغربية بسبب وجود هذا الكيان الصهيوني في المنطقة العربية وذلك بسبب الدعم غير المحدود من الدول الأوروبية والاستعمارية الذي يشمل السلاح الذي يضمن تفوقه علي العرب عسكريا وتكنولوجيا بالإضافة إلي الإمداد بالخبراء في كافة المجالات وكذا الغذاء والمواد الاستهلاكية والوقوف بجانبه في المحافل الدولية وخاصة الأممالمتحدة.