ابرز ملامح الشعر التي تنساب عبر مسيرة الشاعر من الوعي الجمعي لامته ودواعيه هي ظروفها الاجتماعية والتاريخية والتي تشكل المقابل الايجابي لرد الفعل الإنساني من الالم, الأسي. الانكسار او سعادة النفس وإصلاح حال العالم والتناغم مع الكون, جانب مثالي في الشاعر, روي الشاعر الكبير حزين عمر ان دنقل سأل عن شاعر بدأ يظهر كثيرا في منتديات الفكر والثقافة: هل هو بمثالب واعوجاج كانت فيه فقام وانتهي عنها فقيل له من لدن عليم حصيف: لا لم يسبق له ولا هو الآن, فقال أمل دنقل: هذا ليس بشاعر اذن انه ناظم, فإن تجربته الشعرية تستلزم ابحارا في عوالم وبيئات يراها ويتلمسها ولايخترعها بل تنبع من مخزوناته الوجدانية..؟! تشكل المصداقية اذن حجر الزواية في اسانيد الشاعر التي يقدمها لمحبيه او قرأه وهو امر يترسخ عبر دروب ومسارات معالجة الموضوعات الانية وبعث الامل في مستقبل افضل, فالواقع يفرض معطيات ويهيمن علي الثقافات في العصر حتي ان تلك العولمة الثقافية التي لاتعترف بالحدود الجغرافية او الاجتماعية تتخطي العربية الصلبة لتحاول تطويعها فتسخنها حتي تصل بها الي ليونة العجين القابل للتشكل فتمسخها وتحط من قدرها, فنجد مثلا شاعرا يفوز بالجائزة الأولي في مسابقة ادبية كبيرة شهيرة للشعر العربي الفصيح وقد خلط او ترجم قصائده وعناوينها العربية باللغة الانجليزية, فعل ذلك في النص المقدم للجنة التحكيم المشكلة من شعراء أساسا ولايكون ذلك عيبا فيه انفصال عن بديهيات الشعر العربي واللغة الواحدة التي لاتقبل شريكا وتاليا تغريب جو وعالم الشاعر ذاته وانفصاله عن عالمه الشرقي أصبح ذلك يحدث تحت بند مجاراة العصر وضروراته وشدة التغريب وتجارب عالم ألعاب الكمبيوتر ونحن نوقد قبسا في الظلام للتعامل مع رداءة الواقع ومراراته عبر تقديم شاعر في ديوان له ينتحي منحي امته وعروبته واصالة لغته وجوها وعالمها حتي وان كان ديوانه بالعامية المصرية, يتجلي ذلك عبر وقفة مع ديوان( قصائد إليها) للشاعر خليل عبدالمجيد حيث تأتي قصيدته( بدق ناقوس الخطر) شتان بينه وبين الشاعر الذي كتب قصيدة عربية فصيحة بعنوان( برنجلزPRINGLES) فهل اسمي ذلك( عجيبة) اعود للشاعر خليل عبدالمجيد وبيت في تلك القصيدة( واحنا عارفين العدو, من يوم ماكنا صغيرين, والشالوم دامش حقيقة, الشالوم دا خداع دفين, هما واخدينه ستارة للجرايم واحنا لسه مصدقين..) نعم( كل واحد فينا باصص للحقيقة بالف عين). يذكر الشاعر خليل بموت جنودنا علي الحدود والحرب والاطفال في بحر البقر والاسري الذين قتلوا ولم تحاكم الدول المتقدمة الاوروبية او الامريكية هؤلاء كمجرمي حرب ذلك السلاح الاعلامي الذي يشهرونه من وقت لاخر, وسنجد ظلالا من الحزن الشفيف تطل من قصائد الديوان الذي يقع في141 صفحة يذكرنك بالقرار141 الذي لم ينفذ قط طوال ستين عاما, تزداد هذه النتيجة اتضاحا مع قصيدة( دنيا هايفه.. وناسها اهيف من م الهيافة, ناس بتصرخ ع اللي راح, وناس بتحذق ف البراح وناس بتضحك ع الجراح..) ويأتي قوله( وناس شرورهم اصبحت علم وثقافة) كشاردة من شوارد الشعر لايلحقها سهم وتسابق الريح, منتصرا للصدق الذي يدين له وبه متعاملا مع الواقع وقد هضمه في ثقافته الابداعية والميراث المشترك الذي يجمعه بالوعي مع كل الشعراء في مختلف الاقطار العربية( لسه ايديك عماله تنبض بالحياة, وشعور بالدفا والحب عندك مبتداه, حتي شعوري بالالم منك لذيذ, وكل لحظة تمر بيا بحس فيها إن انا عندك عزيز) هناك اذن امتداد وانطلاقة ذاتية دافقة بقوة طوال الديوان( قصائد اليها) لمصر, لعروبته, لأخلاقه التي صنعت عالمه منفلتا من دائرة الانكسارات التي تحيط به خلال الاونة الاخيرة والتي اثرت علي مزاج الشعوب العربية ومصر علي وجه الخصوص والتي هي هدف الشاعر حين غامت الرؤية وعز الحليف وتسلح العدو بالضباب وتستر بالظلام واعمال الخفاء حتي اصبح في وهم البعض مخيف ولاسبيل امام الشاعر خليل عبدالمجيد الا ان ينصح ابنه بأن يكمل مسيرته( وانت امتدادي وعايزك للجميع أية, وبحسن اخلاقك هتكبر وتشيل الحمل ويايا)( طب مادمنا كلنا بنحبها وانو حقيقي كلنا طالبين وصالها وودها, ماتيجوا يلا لبكرة قوموا نشدها, ومن قلوبنا نقولها يارب يحرسك الاله, واللي يجي عليكي مرة نفتحلوا مقبرة الغزاة). مصر يابني لوتشفها قلبها ابيض منور, ليلها زي الظهر لما القمر يظهر مدور؟!. تفاءل, باختصار, مصر, ست الكل, صباح البراءة, ضي القمر, غموض, ومتحاولش أنا المصري ثم مشتاق اليك يانبي. كلها عناوين لقصائد بها تحولات نحو الغد القريب الاصيل وليس التغريب, الجذور اللغوية والصياغة والتعريف المستندة الي تراث يقيني بعيدا نابت في النفوس ومورق ومثمر, راصد صادق للصدمة الحضارية التي تريد محو هويتنا الثقافية وابدالها والرؤية لديه ليست غائمة ولاضبابية, فهو يخوض رحلته الشاقة وقد ترقب الزوابع القادمة من اعماق المحيط الشرير الذي يحيط بعالمنا العربي. الحكاية توشك علي البداية وليس للصورة المتسارعة لحجم الدمار إلا دقة علي ناقوس الخطر للانتباه.. والشاعر كزرقاء اليمامة الا انه لايبكي بين يديها!.