انهال المدرس ضربا علي محمود فأصابه بكسور وانهيار عصبي تبذل الدولة جهودا واضحة من أجل تنقيح المناهج الدراسية وتنقيتها من المحتوي المحرض علي العنف, حرصا علي عقول أبنائنا أن تقع فريسة للتكفيريين والإرهابيين ودعاة العنف, ولكن هذه الجهود لن تؤتي ثمارها إذا أغفلنا العنصر الأهم في العملية التعليمية ألا وهو المدرس, فهو الذي يترجم الأفكار الموجودة في المناهج إلي أسلوب حياة, وأنا رجل تربوي. قضيت حياتي العملية كلها, والتي تقترب من ربع قرن, في حقل التربية والتعليم, مدرسا في المدارس الخاصة في مصر والمملكة العربية السعودية, والجزء الأكبر منها في مدارس حكومية, وأعرف أهمية دور المدرس ومدي تأثيره علي الطلبة, وكيف يمكن أن يكون مربيا وقدوة ومنشئا لأجيال راشدة, أو نموذجا سيئا يضرب العملية التعليمية في الصميم, وسيرتي المهنية في التدريس مشرفة ومتميزة في كل مكان عملت فيه, وانعكس ذلك علي تربيتي لأبنائي فابنتي الكبري طالبة متميزة ومتفوقة في الثانوية العامة القسم العلمي. وابني محمود في الصف الثاني الثانوي علمي بمدرسة طبري الحجاز الثانوية التابعة لإدارة النزهة التعليمية. وقد فوجئت بمحمود يعود إلي البيت منذ نحو أسبوع وبه إصابات وسحجات واضحة في رأسه, وكسر بأصبعه السبابة في يده اليسري. وهو منهار نفسيا وعصبيا مصمما علي عدم العودة للمدرسة, واستفسرت منه عن السبب, لقد سبب له هذه الإصابات مدرسه, والذي هو بمثابة والد له, كان يسير مع زملائه في حوش المدرسة عندما ناداه المدرس, ولما لم يسمعه فقد انهال عليه مدرس التربية الرياضية ضربا بعصا غليظة هي في الأصل يد المقشة, محدثا به إصابات بالغة جسديا ونفسيا, وتوجهت إلي المدرسة في اليوم التالي. وفوجئت بكم اللامبالاة وعدم الاهتمام من إدارة المدرسة واعتبارهم أن الموضوع عادي. رغم تعريفهم بنفسي وأني زميل لهم ومخاطبتهم باللغة التي يفترض أنهم يفهمونها بصفتهم تربويين ومعلمي أجيال, وهو ما دفعني. آسفا, إلي اللجوء إلي الشرطة, وقمت بتحرير محضر في قسم النزهة, وأرفقت به تقريرا طبيا يبين الحالة. إني أتوجه إلي معالي الدكتور الهلالي الشربيني. أشكو إليه, ليس فقط ضرب ابني الطالب المتفوق بهذه القسوة والهمجية, ولكن أيضا عدم فهم هذا المدرس لدوره التربوي والتعليمي. وعدم تقدير إدارة المدرسة لخطورة إشاعة روح العنف بين الأجيال الجديدة, راجيا من معاليه اتخاذ ما يلزم لتصحيح الوضع, ومعاقبة المخطئين في حق أبنائنا وفي حق العملية التعليمية, الذين يهدمون في ثانية واحدة ما يبنيه الشرفاء والمخلصون في أعوام, ويجعلون أي جهود لبناء أجيال محصنة من العنف وكأنها نقش علي الماء, ومتي يبلغ البنيان يوما تمامه... إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم. فرغلي عبدالحافظ القاهرة هذه الرسالة هي نبض قلب أب هو في الأساس رجل تربوي عرك الحياة التعليمية وأبلي فيها بلاء حسنا ولكنه اليوم قبل أن يتحسر علي ابنه الذي كاد يصاب بعاهة بدنية مستديمة وقد تكون عاهته نفسية من أثر ما تعرض له من أستاذة أباه الروحي أقول أن الرجل قبل أن يتحسر علي ابنه نبضت كلماته حسرة علي جيل بأكمله في عمر ابنه مهدد بالضياع بعد أن غاب الدور الحقيقي للمعلم تربويا وتعليميا وأصبح الطالب نهبا لمارثون الدروس الخصوصية واللف والدوران علي المراكز التعليمية هنا وهناك. أما المدرسة التي تواري دورها التعليمي فقد سقط عنها أيضا القناع التربوي بسبب قلة من المدرسين انعدمت ضمائرهم وغاب عنهم الوعي التعليمي والتربوي علي حد سواء. هذه المشكلة التي أرسلها لي الأب المكلوم فرغلي عبدالحافظ فرغلي مدرس الدراسات الاجتماعية بإحدي مدارس القاهرة في حاجة لتدخل سريع من وزير التربية والتعليم فهو في يده أن يعيد الحق إلي صاحبه ويضع الأسس التي تعيد للمدرسة هيبتها التعليمية والتربوية.