لم تكن خطوة الرئيس التركي أردوغان بتوغل قواته في الأراضي العراقية مجرد حالة هياج, أو رد فعل لكبح جماحه في سوريا, لأن ما فعله جاء متوافقا مع تصريحات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري, والذي دعا لتشكيل قوة عربية للتدخل في العراقوسوريا, وأردوغان يعتبر نفسه سلطان العرب والمسلمين ويجب أن يكون له السبق, خاصة أن العراق يخلو من تنظيم معارض, يمكن أن يحل محل داعش, بعد أن فشلت الضغوط الأمريكية علي العراق لتمرير قانون يسمح بإنشاء جيش مستقل للسنة, تحت اسم الحرس الوطني, ليكون نواة دولة مستقلة تحت رعاية السلطان أردوغان. لا يمكن الوقوف أمام المبررات التركية لعملية الغزو, لأنها بلغت حدا غير مسبوق في التدني السياسي والأخلاقي والمنطقي, وتفتقر للحدود الدنيا من المنطق والقانون, لكن المهم هو لماذا دخلت القوات التركية, وهل تستمر أنقرة في تحدي العراق, وتواصل الغزو, لتفجر حربا لا يمكن التنبؤ بمداها؟ مع التقدم الملحوظ للجيش العراقي في مواجهة داعش دون مساعدة من قوات التحالف الأمريكي, زاد القلق من استعادة العراق لأراضيه بقوته الذاتية, وفشل مخطط التقسيم, ولهذا كان لابد من خطوات سريعة لقوات صديقة تضع يدها علي ميراث داعش, التي بدأ العد التنازلي لزوالها, ولم تجد أمريكا سوي بعض الفصائل الكردية, ومجموعة من العشائر التي سبق أن استعانت بهم في مواجهة المقاومة العراقية, لكن هذه المجموعات لن تكون كافية لضمان السيطرة علي مساحة كبيرة من الأراضي الواقعة تحت سيطرة داعش, ولهذا جاء التحرك التركي, لينفذ المخطط الأمريكي, طالما أن الأراضي الجديدة ستكون تحت طربوش السلطان العثماني. كان أردوغان قد نسق عملية التوغل مع تابعه مسعود البرزاني رئيس إقليم كردستان العراق, والمتمرد علي الحكومة المركزية في بغداد, والذي انتهت مدة رئاسته للإقليم, لكنه يرفض إجراء انتخابات جديدة, وقمع المظاهرات المعارضة لحزبه بالرصاص, وأوقع قتلي وجرحي, ومنع رئيس البرلمان ووزراء حزب التغيير, المشارك في الحكومة من دخول أربيل, ويخشي البرزاني من استمرار تقدم الجيش العراقي حتي حدود كردستان, حتي لا يتعرض لدفع ثمن تمرده, ولهذا باع نفسه لأردوغان, الذي دفعته الولاياتالمتحدة لمهمة تقسيم العراق, مستفيدة من طموح وأطماع أردوغان, ورغبته في تعويض نكسته في سوريا. رد الفعل الحاد والقوي من جانب الحكومة العراقية فاجأ أردوغان والبرزاني وأمريكا, فقد كانت الحكومة العراقية تدرك مدي ضعف جيشها, ولهذا كان صوتها خافتا, وتتجنب أي صدام مع أمريكا أو تركيا أو حتي قوات البشمركة التابعة لمسعود البرزاني, والتي تجاوزت حدود الإقليم, وتوغلت في أراضي المحافظات المجاورة, وأعلنت ضم بعضها. الحكومة العراقية لوحت بعمل عسكري ضد القوات التركية, مع الشكوي لمجلس الأمن, والإعلان عن قطع العلاقات الإقتصادية, لتفقد تركيا سوقا مهما لسلعها ومشاريعها, كما توعد قيادات الحشد الشعبي بضربات للقوات التركية, واندلعت مظاهرات تطالب باغلاق السفارة, وشاركت قيادات سنية في الاحتجاج علي العدوان التركي, مع دعم روسي وإيراني قوي للحكومة العراقية, ليجد أردوغان أنه تورط في مأزق خطير, فالتراجع وسحب قواته سيكون هزيمة جديدة, من شأنها تقليص مكانة تركيا, التي كان يحلم بأن تكون إمبراطورية, أما الإصرار علي التوغل فسيجره إلي معارك صعبة, فمن أمامه الجيش العراقي والحشد الشعبي, ومن خلفهما إيران وروسيا, ومن خلفه مجموعات تركية تتحين الفرصة للثأر من الجيش التركي, خاصة من جانب حزب العمال الكردستاني, وهو ما يعني أن أردوغان سيتلقي صفعة جديدة في العراق, بعد الصفعة الروسية في سوريا.