لا يزال الفكر العربي المعاصر تحكمه أطر الوعي التقليدي, وكم من الحتميات المعرفية المرتبطة بإشكالية الأصالة والمعاصرة, التقدم, أزمة الإبداع, التجديد, سؤال الهوية, وكثير من المؤشرات الدالة علي طابع انغلاقي أحادي, أصبح يفرض في اللحظة المعاصرة نوعا من حالة الاغتراب التي تشعب عنها تلك المفاهيم المشيرة إلي حالة اللا قدرة وحالة تفكك القيم والمعايير الاجتماعية وحالة العزلة واللاانتماء وحالة اللا معني وحالة النفور من الذات. وعلي ذلك تصبح القطيعة المعرفية مع النسق الحضاري نتيجة منطقية لما سبقها من مقدمات تستند علي قاعدة كلاسيكية فحواها أن الحاضر لابد أن يكون امتدادا لتراكمات الماضي, وأن اللحظة المعاصرة تعد بالضرورة تكرارا كميا للتاريخ, بينما يتفق الكاتب مع مفهوم القطيعة المعرفية لكن في اتجاه عكسي عند جاستون باشلار, حيث تعني أن التقدم العلمي مبنيا علي اساس القطيعة مع الماضي, وبالطبع ليس بمعني نفيه أو إنكاره, فذلك غير وارد في التقدم العلمي الذي يمتاز عن غيره بأنه ليس أفقيا, بل رأسي بمعني أن القطيعة تعني أن الحاضر ليس مجرد تواصل ميكانيكي أو استمرار تراكمي لمسار الماضي أو تعديل أو إضافة كمية له, بل يعني أن التقدم شق طريقا جديدة لم يتراء للقدامي ولم يرد بحال بحكم حدودهم المعرفية الأسبق, والتالي الأضيق والأكثر قصورا. إن المناقشة التحليلية والتوصيف الكلي لوضعية الفكر العربي المعاصر, يستوجبان طرح تساؤلات عدة قد نصل خلالها إلي نوع من التقييم الموضوعي لهذا الفكر في مرحلته التاريخية هذه ومنها: هل للفكر العربي إشكالية ذاتية تتمحور في طبيعته, أم أنها إشكالية يمثلها تداخل عوامل خارجية وما هي طرائق وآليات تجاوز ذلك؟ وما هو دور هذا الفكر في معالجة مشكلات الواقع المتأزم؟ وما هو دوره أيضا في إعادة صياغة المفاهيم بحكم مسيرة التطورية الاجتماعية؟.. هل يتخلي الفكر العربي عن سمات الإطلاقية والتمامية والإقصائية ؟ هل لهذا الفكر أن تتبدل مرجعياته لتصبح في اتجاه طموحاته القومية؟ هل لهذا الفكر أن يكون هو الفاعل في تجاوز الأزمة الحضارية التي يعيشها العالم العربي اليوم, أم يكون من وسائل ترسيخها؟ ما علاقة هذا الفكر بتيارات الوعي الأوروبي والغربي علي السواء؟ وهل سيظل فكرا مستهلكا وشارحا لأطروحات هذا الفكر؟ وهل يقدم الفكر العربي نسقا تقدميا يتوافق مع الفلسفات الكونية العليا؟ وكيف يمكن لهذا الفكر العربي المعاصر أن يصبح فكرا مندمجا في إطار الخضم المعلوماتي؟ وماهي آليات ذلك؟ هل يمكن لهذا الفكر أيضا أن يفك طلسمات العولمة ويقيم بناء فكريا لمفهوم العولمة المضادة؟ وهل يمكن لهذه العولمة المضادة أن تتقابل مع تيارات العولمة الأمريكية؟ هذه هي وضعية الفكر العربي المعاصر في إطار إيقاعات زمنية لها منظومة مفاهيمية خاصة تغيرت معها الثوابت النظرية والفلسفية تجاه الأشياء والأحداث ومهدت للطفرة المعلوماتية التي تعيشها مجتمعات عديدة علي اختلاف درجة الاستفادة منها والوعي بها والاندماج معها, ومنها مفهوم النهايات والما بعديات( نهاية المكان, نهاية التاريخ, نهاية الجغرافيا, نهاية الدولة, نهاية القومية, نهاية الأيديولوجيا)( ما بعد الحداثة, ما بعد السياسة, ما بعد الكولونيانية, ما بعد التكنولوجيا, ما بعد عصر المعلومات, ما بعد الإنسانية)... وبالتالي يكون السؤال: ما هو أنموذج الواقع المعلوماتي الذي يعاصره الفكر العربي؟ وكيف لم تكتمل لهذا الفكر عوامل الدافعية نحو هذا النموذج وعلي ذلك كيف لهذا الفكر العربي المعاصر أن تتسق طبيعته وطبيعة المفهومات السائدة عن النهايات والمابعديات؟ وكيف لهذا الفكر أن تتسق أيضا طبيعته وطبيعة معطيات الواقع التكنولوجي والمعلوماتي؟ بل كيف ينهض لتبني رؤية جديدة أو نظرية تترجم الأزمة السوسيولوجية للإنسان المعاصر ؟ وهل يستطيع هذا الفكر أن يحدد أهدافه الجديدة في المحيط الكوني؟ وماهي أدوات ووسائل ذلك؟