هل تختفي دولة الفلسفة وراء آفاق المجهول وتصبح مجرد تاريخا زائلا للوعي الإنساني أو ماضيا بعد أن انفلتت منه قيادة الفكر آخذة مسارها في لولبية هادئة نحو الثورة المعلوماتية؟! ولقد خاضت الفلسفة طيلة تاريخها جولات مريرة تحليلا وتفنيدا لمعضلات القضايا, لكن هاهي تتواجه الآن بذلك الطوفان الزمني المتحدي والباعث علي انزواء الفلسفة ذاتها. فكانت تلك الأطروحة الفكرية الرائدة نهايات الفضاء الفلسفي والتي شق بها د.علاء طاهر تلك الضبابية المخيمة علي العقل العربي المعاصر إزاء تلك التجليات المشيرة إلي تلاشي دور الفكر الفلسفي وانتهاء مسيرته واختفاء مضموناته وكفه عن إثارة تساؤلات ملحة وتصورات يمكن أن تخترق تنويعات البانوراما المستقبلية. وتستعرض الأطروحة شيئا من كيمياء التأزم الذي تعايشه الفلسفة الغربية في لحظتها الآنية, إذ باتت كافة تصوراتها متحققة في الواقع الفعلي عبر ذلك الانفجار المعرفي المروع والمحدث لتغيرات جذرية في الخريطة الذهنية, وهو ما أحالها إلي دوائر الفراغ مقتربا بها من حديث النهايات والمابعديات إذ لم يعد لديها ما تقدمه, من ثم أصبحت مهمتها الاضطرارية إخضاع ما تحقق وتجسد إلي طاقات التأمل والاستغراق والتفكير قبل أن يتحول بدوره إلي لحظات هاربة فارة نحو أغوار الماضي ودروبه. وتحدد الأطروحة تاريخية استيلاء فكرة التشكيك في دور الفلسفة وأهليتها منذ بدايات العقد الأخير من القرن الفائت, مقدمة العديد من الملاحم الفكرية العتيدة من قبل فلاسفة بارزين ساقوا كما هائلا من الاستدلالات والتقت رؤاهم حول حتميات مأزق الفلسفة. ولعل أهم ما قدمته أطروحة د. طاهر هو تأكيد ذلك الاشتباك الحاد للفلسفة مع المفردات الزمنية بسطوتها الطاغية وبفعل القاطرة المعلوماتية التي أحالت الحاضر إلي ماضي والمستقبل إلي حاضر يهرول نحو الماضي ولا تملك الفلسفة ردع ذلك المد المتسارع الذي جعل من هالات الخواء موضوعا للفلسفة!!لكن هل تستسلم إشراقات القوي الفلسفية التي تملك أنفاس العالم كما قال كارل ياسبرر إزاءتلك الثورة المعلوماتية في أسطورتها التقدمية ومثالبها المحركة لأزمات الإنسان المعاصر وتوعكاته؟. إن الرسالة الإنسانية والسلطة المعرفية للفلسفة لن تطمسها الثورة المعلوماتية المتجددة حاضرا ومستقبلا أو تخلخل بنيتها أو تجعل كينونتها مسخا باهتا بعد أن شمخت بقامتها واستطالت علي العلوم والآداب والفنون وربطت العقل البشري بأدوات الاستفهام فيحال أن تترجل وينطفئ مصباح ديوجين وللمرة الأولي زهاء قرون طوال بعد أن ظلت انبعاثاته ببريقها المتوهج تدحر ظلمة الأبدية.