إلى جوار الحائط استند الرجل يتدثر بالجدار من رعدة تملكت جسده. لم يعد قادرا على البكاء فقد وهن قلبه وتقطعت كل أوتار صوته، لم يعد قادرا على الترقب المميت انتظارا لتسلم جثة ابنه. إلى جوار الحائط استند الرجل يتدثر بالجدار من رعدة تملكت جسده. لم يعد قادرا على البكاء فقد وهن قلبه وتقطعت كل أوتار صوته، لم يعد قادرا على الترقب المميت انتظارا لتسلم جثة ابنه. تكوم بجوار الجدار تتلقفه أيادى من أتوا معه من الأهل والأصدقاء وفحيحا من صوت حزين يتجاوز فمه بالكاد ينادى به ابنه الوحيد لآخر مرة لعله يرد من خلف جدران المشرحة. بضع ساعات مرت ثقيلة وكأنها الدهر على آباء وأمهات ثكلى وقفوا على باب المشرحة يحلق على رءوسهم طائر الموت الحزين تحيط بهم حلكة الليل الذى التهم أرواح أبنائهم قبل ساعات فى تلك الأحداث المروعة بإستاد الدفاع الجوى. فجأة انتفض جسد الرجل المتهالك إلى جوار الجدار وانفجر الصوت من حلقه صراخا مدويا "ابنى!." يشق الصوت سكون الليل وتحيط به دقات قلوب الأمهات التى تعالت فيما أخذ عامل المشرحة ينادى على أسماء الضحايا. رائحة الموت أعلنت وجودها وأبغت على المكان نوعا من الحزن ثقيل عجز الحاضرون عن حمله ومع خروج أول جثة من جثث الضحايا أعلن الفجر مقدمه تسبقه خيوطه الفضية وكأنها تحتفى بالضحايا وتصحبهم فى رحلتهم إلى السماء. تعلق الأب بأيد متهالكة بأحفة صندوق قالوا له أن جثمان ابنه الوحيد يرقد فيه، احتضنه بكلتا ذراعيه وكأنه يحتضنه لأول مرة عندما زفت إليه أمه قبل ثمانية عشر عاما نبأ مولده وحملته إليه صغيرا وحمله فى مهده واحتضنه بقلب الأب المتلهف فرحا وشوقا لمقدم صغيره. و اليوم يحتضنه فى لحده بقلب متعلق بأهداب الموت لعله يصعد خلف ابنه الوحيد فى رحلته الأخيرة.