لنفترض أن للأزمات شروطا أولية وضرورية ولكي يستجيب القاص لا عليه أن يرفض النموذج الارشادي, فنفسه جبلت علي الابتكار والتبديل والخيال يوفر له طاقة دائما ومحل تسائل وشحذ, وربما هو سر التطور المنهجي في الحياة, روافدها الخبرة من التجارب, التمسك بالأمل في تجاوز المحن الانسانية والتي بغيرها يفقد الكاتب ذلك الايمان الذي يحركه ضد الشر فيجعله في عالمه المتخيل قادرا علي الوصول إلي درجة من السمو الروحي جاهد الكثير من فلاسفة الغرب علي نزعها من عالمهم مستبدلين بها فكرة الشك, منطق العبث, انكار الجوهر كما في( رأي هيوم وإمانويل كانت) فالخيال لا يخلق من عدم ومهما أوغلنا في ذلك فلن نتجاوز في التركيب والابتداع تلك الصورة الأولية التي ترجع في أصلها إلي الادراك المحسوس؟! ولكن لنتصور أننا لسنا علي كوكب الأرض وأن كل آراء الفلاسفة منذ بدأ الرواق الأفلاطوني وحتي اليوم لها نظائر في عوالم أخري بعيدة, تشترك في الشكل الظاهري ولكنها لا تصل إلي نفس النتائج أو هب أن هناك حلولا أخري من منطق( ممكن أو ليس كذلك) أو هل تخاف التفكير والسؤال فربما قد تجد الإجابة.. كل الإجابة وليس جزءا منها وعندها.. لماذا استعجل الإدلاء بمقارباتي الفكرية عن رواية( ديجافو ل سلام عيدة) فألاعرض أولا حبكتها الفنية التي تتمثل في أنها خاصة بسكان كوكب فينوس اللامع ذلك الكوكب الذي أطلق عليه العرب( الزهرة) بل إنه أصبح معبودا اغريقيا آشوريا كلدانيا قديما, لكنه كما أوضح لنا العلماء الطبيعيون بلا حياة, ولو في عالم متوازي مثل عالمنا يمكن أن يكون( عشتار) مأهولا وهذا يجعله محور حديث الرواية ومجال شغلها( إذا شئت أنت أيها القاريء أن تعتبرها أرضية) فهذا شأنك لا شأن الرواية؟ فديجافو يعني تم مشاهدته في حياة سابقة أو من قبل؟ يبدأ النص بمجموعة من الأحاجي التي تمهد في استدراج للقاريء ذو بصيرة العقل المتنور والمتنمر متماسك الأوصال لحقيقة فلسفية كبري, أن الله لا يكره لنا الفهم, يتقبل أسئلتنا, يساعدنا في إيجاد الإجابات لو صدقت النوايا, نوايانا نحن أبناء هذه الرواية عندما يناقشون حيرتهم ويستمعون لصوت عقولهم وهم يتحاورون في نوافذ صغيرة تطل علي شوارع المعاني والأضداد, يبدأ النص الروائي بفصل القديسة وينتهي بأكوان متوازية نص في ثلاثة فصول مكعبة بالمعني الحرفي للكلمة مكعب ومقارنة بنص ميشائيل إنده قصة بلا نهاية ذات الجو الفانتازي المتمرس بالأفكار تصبح( ديجافو لسلام عيدة) أكثر تحديدا وقارئة جيدة للفكرة وناقلتها قاصدة الوعي الكامل لا السبح بلا شواطيء الفصل الأول القديسة أو جهه الستة هي التوبة, الامتحان, الخطيئة, القهر, الطهر, النحر والوسيلة هي الصدق والرمز, الأدوات هي الشخصيات ضعف الأم, الفتاة المغتصبة, الشقيق القاتل والصديق المجرم, خطيئة الراهب الأولي والسقوط عبدا للذة الجسدية, أجواء عالم المسيحية الأولي تسيطر علي الفصل بلا إفصاح ولا لاهوتيات ثم تأتي البراءة والطهر والتوبة وفهم الرسالة بعد الدم وتوهم غسل العار وموت الأب المريض مصاحبا ابنته المظلومة ويبقي الأشرار ليوم الحساب؟! الفصل الثاني له أيضا أوجه ستة وهي الحساب, الاعتراف, الغفران, الانتصار, العدل, الفرصة الثانية حيث نجد كل الشخصيات التي في الفصل الأول بشكل أو آخر حصلت علي فرصة جديدة في الفصل الثالث حيث يصبح الكون متوازيا هنا بشكل أكثر تحديدا فنجد الشخصيات وهي تتعرض هنا وهناك وفي البعد الثالث لسيناريوهات متشابهة في الفكرة ومختلفة في التصرفات فتكرر الامتحانات فمن وعد في الفصل الثاني من الرواية أن يكون أبا متفانيا, هرب من المسئولية وعند النهاية قد لا نجد أحدا فعل ما وعد به رغم اعطائه الفرصة الثانية عيب هذا الفصل أن اختلاط سيادة الذكر والأنثي علي الحياة في الأكوان المتوازية عبر عنها بجملة أو توضيح في سياق الرواية فأصبح السارد الخفي ليس خفيا هكذا بل حاضرا وعالما بكل شيء فترك ذلك شيئا من الحيرة واختلاط حبال الدراما وبهذا الأسلوب تسارعت الأحداث بلا توضيح درامي معقول وطفا شيء غير قليل من التشائم علي مضمون الرواية ككل وكما نعلم ففي كل عمل فني جيد يساعد الشكل الذي نتبناه علي ايصال المضمون وفي( ديجافو ل سلام عيدة) انفصلا في هذا الجزء من الرواية حتي إنني أعتقد أنه مخلوق فني جديد وترجيحي أنه مقصود لأن الفصل ذاته انتهي سريعا وكان يمكن أن يمتد مئة ورقة علي الأقل فوق ذلك وهذا واضح للقاريء فكيف بالمؤلف, عموما لا جدوي من التفكير في ذلك الآن وحين تختصر عملا يبدو ملحميا إلي رواية طويلة وبأسلوب دقيق يعتمد علي حوار واع وآخر لا ينبيء عن تكوين الشخصيات ذاتها فإنك تفعل ذلك وفي رأسك توضيح الفكرة ذاتها مضحيا بالشخوص. كل ذلك وإن تعاطفت معه لصالح تقديم فكر الرواية بصورة معقولة, ليس سليما خاصة الحوار والذي يعتمد في الأساس علي الرد الشخصي فإذا خلطت بين ما نعرفه بأدلة وبرهان وتأكيدات وبين ما أتصور اني أعرفه ويتدخل خيالي في صوغ ذلك كله كوحدة متكاملة وحتي لو لم أقدم جديدا أو شططا اللازم عليه فذلك الذي يدعي بحق فانتازيا خرجت عن حدودها الفنية إلي فضاء التأويل وهو ما يفتح الباب نحو اجتهادات لا حصر لها علي طريقة( يلوون السنتهم بالكتاب وما هو من الكتاب) مثل ذلك ص111(.. حين تواضعت واعترفت أن القديسة نفعتك.. الخ) والسؤال هل كان للرواية أن( تعدي من الأول إلي الثالث) دون تلك التحويلات التي في الفصل الثاني ومخارجها الكثيرة الإجابة نعم بكل سلامة لجسد فكرة الرواية لأن الحالة الصوفية التي ربما علي أساسها تم ادراج هذه المشاهد لم تكن حاضرة إلا في خطوط عريضة موحية والأحاسيس الفنية للكاتب. الملاحظ هنا أن عدد غير قليل من كتاب العربية يختارون عناوين الآن ليست عربية ولأن أي مؤلف في عصر العولمة يحس بأنه يتجاوز محليته واقليميته وينطلق للعالمية وأنهم ليسوا أقل شأنا من كتاب الغرب والعالم, لكن نجيب محفوظ انطلق للعالمية هذه التي لم تشغله كثيرا في حياته الابداعية عبر الاغراق في عالم محليته ومدينته ووطنه ودينه وشخصيته الشرقية المصرية فأصبح هكذا أصيلا بما فيه الكفاية لينال نوبل عن جدارة واستحقاق معبرا عن أمته, ليس كل سكان الأرض ولا أفكار الشرق والغرب البعيد عن العرب أمة الخط الفاصل جغرافيا وتاريخيا بين العوالم والمجتمعات المتوازية ثقافيا وحضاريا في السابق والآن, علي أن ما يعوض ذلك العنوان أن اللغة سليمة وقوية وبذل مجهود في العناية بالإخراج والمراجعة والطباعة ورغم أن الرواية تطبع للمرة الثالثة إلا أن معرفة النقاد بها أقل كثيرا من المتوقع عند صدور مثل هذه الأعمال التي تتناول جانبا فلسفيا مغلفا بنصوص دينية لدينا. هذا امتاع فني وتواصل عاطفي وربط بين الأخلاق والسعادة الأبدية وصقل النفس وكلها أمور تدور في الخلفية تضع القاريء وكأنه حكم بين حكام حقيقيين يعلمون أكثر مما يدعي عن الرواية لكنهم يتركون له مشاهدة عيوبه في التفكك, التعليم, الوعظ, عدم التناسق والحكم برأي منفرد؟!من ينظر في كل العناصر السابقة لا تخطيء عينه نظرة رومانسية في موضوع جد معقد ذي أهوال ولا يقتضي عدم الاطلاع عليه انتفاء أثره وتصوره في النفس, غير أنني أميل ناحية فكرة الزمن البائد والمنتهي وأجدها أوضح وأكثر حكمة حين نخضع الرواية لمقاييس فنية موضوعية لا قفزات سريعة لا رابط فيما بينها فالتصور الأوروبي لم يفلحوا في اثباته؟! وحركة الفراشة في النهاية أسطورة تحتمل أو لا تحمل بأكثر من جناح بعوضة؟