النقل الذكي تدرس اليوم التسعيرة الجديدة في مصر، ومصدر: الزيادة هتكون كبيرة    الأمم المتحدة: الأخبار من شمال غزة مروعة ويجب وقف هذه الفظائع    حزب الله يعلن قصف مستوطنة روش بينا جنوب شرق صفد بالصواريخ    اللواء سمير فرج: حماس ضعفت وتحتاج إلى 10 سنوات لاستعادة قوتها مرة أخرى (فيديو)    وفا: استشهاد شاب جراء دهسه من قبل جيب للاحتلال في عنبتا شرق طولكرم    يد - عضو إدارة الأهلي: مواجهة الزمالك كانت نهائي مبكر ولكن    ملخص أهداف مباراة يوفنتوس ولاتسيو في الدوري الإيطالي    بلدية المحلة في مواجهة صعبة أمام المصرية للاتصالات بدوري المحترفين    عبد الله بكري: أتمنى اللعب للأهلي ولكن.. وأتوقع تأهل سيراميكا لنهائي السوبر    حريق هائل في برج فولكارت السكني الفاخر بإزمير التركية (فيديو)    فتح: غزة تتعرض إلى مجزرة حقيقية بسبب عدم معاقبة المجتمع الدولي للاحتلال    الشرطة الألمانية تستخدم الكلاب لتفريق متظاهرين منددين بجرائم الاحتلال    الحمصاني: لن نتخلى عن المواطن.. ونطبق الحماية الاجتماعية من خلال ضبط الأسعار    فرض ضريبة جديدة على الذهب في مصر.. ما حقيقة الأمر؟    شعبة المخابز تحدد موعد ارتفاع أسعار الخبز السياحي (فيديو)    موعد بداية فصل الشتاء 2024.. وتوقيت فتح وغلق المحلات قبل تطبيق التوقيت الشتوي    عاجل - زيادة منحة المرأة الماكثة في البيت بالجزائر 2024 وخطوات التقديم عبر موقع الوكالة الوطنية للتشغيل    نوة رياح الصليب وأمطار غزيرة.. الأرصاد تحذر من طقس اليوم الأحد    أهالي شارع عمر بن الخطاب بمصر الجديدة يستغيثون ويُناشدون وزارة التنمية المحلية    معرض فرانكفورت للكتاب: توزيع جوائز تيك توك بوك للمنطقة الناطقة بالألمانية    ملتقى القاهرة الدولي للمسرح يكرم الفنان الراحل فؤاد المهندس بحضور نجله    «احتفالا بحملها».. سلمى أبوضيف تظهر بفستان أبيض من جديد (صور)    «زي النهارده».. اندلاع ثورة القاهرة الأولى 20 أكتوبر 1798    غدًا.. عبد الرحيم علي ضيف برنامج «كلام في السياسة» على «إكستر نيوز»    هل تذكيري لأصدقائي بتلاوة القرآن وذكر الله عليه أجر؟.. دار الإفتاء تجيب    اللهم آمين | أثر الدعاء للشهداء وأهلهم    منها الجوع الشديد..تعرف على أعراض مرض السكري عند الأطفال    نقص الفيتامينات والضغط العصبي.. تعرف على أهم أسباب الشيب المبكر    تظل سليمة بعد الموت.. كيف يؤثر نمط الحياة على صحة العظام؟    وداعًا للوزن الزائد .. 10 خطوات بسيطة لإنقاص الوزن بدون حرمان    اليونسكو تساعد الأجيال المستقبلية على صون التراث الثقافي غير المادي    للمسافرين كثيرًا.. كيفية الصلاة في المواصلات ومعرفة اتجاه القبلة |الإفتاء تجيب    عاجل - من المركز الوطني للأرصاد: ضباب كثيف وأمطار تضرب المنطقة الشرقية والرياض.. احتمالية تعليق الدراسة واردة!    مستشار رئيس فلسطين عن قتل إسرائيل ليحيى السنوار: نتنياهو ليس له عدو شخصي    أبو جريشة رئيسا لقطاع الكرة بالإسماعيلى.. وعماد سليمان مشرفا على الفريق الأول    مصرع شخص وإصابة 20 آخرين في حادث تصادم سيارة برصيف بالفيوم    بسبب مكالمة هاتفية.. مقتل سائق على يد شقيقان وزوج شقيقتهم بشبرا الخيمة    عبد الرحمن فيصل: بطولة إفريقيا هديتنا للجماهير    5548 فرصة عمل في 11 محافظة برواتب مجزية - التخصصات وطريقة التقديم    سعر التفاح والموز البلدي والمستورد بالأسواق اليوم الأحد 20 أكتوبر 2024    الغرف التجارية: لا زيادة في أسعار السلع الغذائية بعد تحريك المحروقات    موعد مباراة الزمالك وبيراميدز والقنوات الناقلة في كأس السوبر المصري 2024    وزراء دفاع مجموعة السبع يعقدون اجتماعا فى نابولى لبحث تعزيز التعاون الأمنى ودعم أوكرانيا    السيارة اصطدمت بالكارتة.. إصابة 3 أشخاص بالمنيا الجديدة    هشام يكن: الزمالك سيدخل لقاء بيراميدز بمعنويات عالية    تامر عاشور يطرب جمهور مهرجان الموسيقى العربية بأغنية هيجيلى موجوع    حدث بالفن| وفاة والدة فنانة وخالد الصاوي يحذر من حقن التخسيس لهذا السبب    مين فين ؟    «مش هفتح بطني عشان بُقي».. خالد الصاوي يرفض عمليات التخسيس|وهذه أهم المخاطر    بالصور.. احتفالية لتكريم حفظة القرآن الكريم بالمنيا    نائباً عن السيسي.. وزير الأوقاف يصل إندونيسيا للمشاركة في حفل تنصيب الرئيس الإندونيسي الجديد    في تصنيف QS Arab Region.."طنطا"تحتل المركز 78 من بين 246 جامعة مصنفة    رسالة أسبوع القاهرة للمياه: الماء حق لكل إنسان.. و"سد النهضة" انتهاك للقانون الدولي    جامعة قناة السويس تنظم برنامجاً تدريبياً لطلاب STEM حول تصميم وتنفيذ كوبري مائي متحرك    رغم امتلاء بحيرة سد النهضة، إثيوبيا تواصل تعنتها وتخفض تدفق المياه من المفيض    فرص عمل جديدة بمحافظة القليوبية.. اعرف التفاصيل    أفضل 7 أدعية قبل النوم.. تغفر ذنوبك وتحميك من كل شر    ليلة لا تُنسى.. ياسين التهامي يقدم وصلة إنشادية مبهرة في مولد السيد البدوي -فيديو وصور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«نيران صديقة».. فأما من أوتي كتابه (تحليل)
نشر في المصري اليوم يوم 06 - 08 - 2013

القيمة الحقيقية لتجربة «نيران صديقة» ليست في مشاهد الكتاب الغامض الذي يقطر دمًا كل بضع حلقات، بمصاحبة موسيقى هشام نزيه الموترة والباعثة على التشويق والرهبة, لكن القيمة الحقيقية لهذا العمل الدرامي هو توافره على العديد من المميزات التي طالما تخلت عنها الدراما التليفزيونية طوعًا لاعتبارات خاطئة وغير فنية، على رأسها أن ما يناسب السينما لا يصلح للتليفزيون سواء على مستوى تكنيك الصورة أو الإيقاع العام، أو طبيعة الموضوعات، أو لغة الحوار، أو أسلوب بناء الشخصيات أو دسامة الفكرة. أولى مميزات المسلسل هي تعدد نقاط الهجوم على المتفرج خلال كل حلقة، لأن المؤلف لم يكتف بأن يهاجم المتلقي مستثيرًا فضوله بفكرة الرسائل الغامضة التي تصل إلى الأصدقاء الخمس قبل أن تظهر الصديقة السادسة والتي نعرف من خلالهم أنها قتلت على أيديهم من قبل، ولا هي مسألة الكتاب الرهيب الذي يسجل بدمهم ما يسرون وما يعلنون من أفعال وأفكار وخطايا، بل استطاع المؤلف أن يقدم لنا في كل حلقة تقريبًا نقاط هجوم جديدة ساهمت في جذب فضول المتلقي واستثارة ذهنه للمتابعة ووجدانه للتأثر، والفارق في الدراما بين نقطة الهجوم واللغز الذي يشد الجمهور لحله هو أن كاتب اللغز يحافظ قدر استطاعته على غموضه تاركا للمتلقي بعض الأدلة التي تقوده دومًا للاتجاه الخاطئ كي يتمكن في لحظة التنوير الأخيرة أن يستعرض الحل مقترنًا بذروة الدراما، أما نقطة الهجوم فهي التي يستغلها الكاتب من أجل أن يرهص بحدث سيتكشف عنه الصراع المتصاعد بين الشخصيات والناتج عن قراراتها النابعة من أبعادها الدرامية المرسومة سلفًا بحسب أفكارها ونشأتها وأهدافها. فعلى سبيل المثال ليس ظهور «رنا» لأخيها، الذي ليس أخاها في حقيقة الأمر هو لغز لأن الكاتب يكشف لنا عبر الأحداث أصل الشخصية وسرها وذلك بما يتسق مع الموضوع والفكرة العامة للعمل. وإذا قارنا ما بين ظهور «رنا» وتساؤل المتلقي حول سرها، وبين تساؤله عمن يرسل السيديهات لمجموعة الأصدقاء، سنعرف الفرق بين نقطة الهجوم وبين اللغز، فظهور «رنا» هو نقطة هجوم، ووقوع الكتاب في يد «أمجد» هو نقطة هجوم، والتساؤل حول موت «سمرة» هو نقطة هجوم، أما اللغز الدرامي فهو من الذي يرسل السيديهات؟ يحتوي «نيران صديقة» على مستويين من الأفكار الفلسفية، المستوى الأول نابع من فكرة تنتمي للتراث الديني، وهي فكرة صحف الأعمال التي تسجل فيها خطايا البشر وحسناتهم، والتي ستأتي يوم الحساب منشورة كي توفي كل نفس ما كسبت، وهي الفكرة الدينية الأشهر في تاريخ الأديان السماوية والوضعية على حد سواء. إن فكرة الكتاب الغامض في المسلسل تأتي من تصور فوق واقعي أن أحدهم استطاع أن يحصل على كتابه في الدنيا بدلًا من الآخرة، وهنا تحديدًا يكمن الرعب الحقيقي أو الرعب الفلسفي، فالمسلسل لا ينتمي لنوعية دراما الرعب أو الإثارة، لأن ثمة كتاب يقطر دمًا عندما تخط سطوره أفعال مجموعة الأصدقاء، لكن الرعب الحقيقي أن يجد الإنسان خطاياه وذنوبه مدونة ومنشورة في حياته الدنيا وعلى رؤوس الأشهاد، أو «على حياة عينه» بالتعبير الدارج. ينقلنا هذا الرعب الفلسفي إلى مستوى الأفكار التالي، وهو هدف العمل أو جوهره، فلو أن كل منا وضع نفسه محل أي من شخصيات الأصدقاء الست البشرية جدًا وغير النموذجية على الإطلاق والتي تحتوي نفوسها على الخير بجانب الشر، والطُهر مختلطًا بالدنس، وتصور أن ثمة دفتر ورق تسجل عليه كل شئ، وأن أحدهم أو حتى هو نفسه يمكن أن يقرأ ما أقدم عليه وما فعل، لتراجع ألف مرة قبل الإقدام على أي فعل مشين أو خطيئة صغرى. من هنا يتحقق لنا كمتفرجين عنصر التطهير الذي هو أسمى أهداف الدراما منذ ظهرت على وجه الأرض، فالكاتب استطاع أن يخلق تلك الحالة التطهيرية عبر تقديم نماذج شخصياته التي أوتيت كتابها في الدنيا وقامت دينونتها قبل أن تموت وتبعث يوم الحساب. ربما لهذا تعمد الكاتب أيضًا أن ترتكب معظم شخصيات الأصدقاء الستة أشهر الخطايا الإنسانية والتي تأتي الخطايا السبع في الكتب المقدسة على رأسها الغضب، والشهوة، والجشع، والحسد، والشراهة، إلى جانب أولى الخطايا الأرضية وهي القتل، وقد أقدمت الشخصيات على تلك الخطايا بشكل مباشر أو غير مباشر مثل محاولة قتل «رأفت» ل«سمرة»، أو محاولة قتل «نهال» ل«قذاف»، أو إجهاض «نور» لنفسها، أو تواطؤ «طارق» على قاتل والد «رأفت» أو موت «يحيي»، والد «طارق»، أثناء زيارة «أميرة»، ناهينا عن الكذب والخداع والخيانة والتسلط والقهر والابتزاز والسرقة. ثم نأتي إلى استخدام «الفلاش باك» عبر ما يقرأه «أمجد» في الكتاب، إن «الفلاش باك» أسلوب ممجوج جدًا في الدراما التليفزيونية على عكس السينما نظرًا لطول مدة العمل، وتعدد الحلقات، ووجود فواصل زمنية في متابعة الحلقة، فلا أحد يشاهد مسلسل تليفزيوني مرة واحدة كما يحدث في الفيلم السينمائي الذي لا يتجاوز بضع ساعات، وفي التليفزيون عادة يلجأ الكتاب إلى «الفلاش باك» من أجل الكشف السهل والمريح عن أحد الحلول الدرامية أو توظيفًا للصورة بدلًا من الحكي عبر الحوار فقط، وفي بعض الأحيان يستخدم ليقع المتفرج في شرك لغز أو الإيهام بجريمة أو حدث غامض. بالنسبة ل«نيران صديقة» فإن أزمته الحقيقة كانت في أن «الفلاش باك» متداخل إلى حد كبير ما بين الماضي قبل 26 عامًا، والحاضر في 2009، فكل حلقة تحتوي على مشهد أو عدة مشاهد من حاضر 2009، ثم يعود بنا الكتاب إلى الثمانينيات وما بعدها، وهو ما سبب حالة تشويش وصل إلى النفور من المتلقيين العاديين للدراما التليفزيونية الذين لم يعتادوا على هذا النوع من السرد المركب، وربما هي مسألة تتعلق بالتنفيذ، فملامح الشخصيات الشابة لم يتمكن الماكياج رغم اتقانه أن يجعلنا نشعر بالفارق بينها في مرحلة الشباب ومرحلة الكهولة. ولكن هل يكفي هذا للحكم على أن «الفلاش باك» لم يكن في صالح التجربة؟ في الحقيقة فأنه لم يكن من الممكن أن يقوم الكاتب بسرد هذه القصة بالأسلوب التراكمي العادي لسبب بسيط ليس له علاقة بالتشويق والفضول وجذب الانتباه، لأن فكرة الحساب وصحيفة الأعمال قائمة بالأساس على «الفلاش باك» وفي كل نصوص الفراعنة التي تحدثت عن العالم الآخر، وفي الآيات القرآنية التي قدمت مشاهد من يوم القيامة، فنجد «الفلاش باك» هو أساس عملية المحاسبة على الحسنات والسيئات «إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا»، إن الدينونة في شقها الأول هي قراءة كتاب الأعمال قبل أن يدخل الإنسان الجنة أو يلقى في الجحيم عقابًا على أفعاله، وبالتالي لم يكن للكاتب خيار أسلوبي لصياغة فكرته الفلسفية سوى أن يلتزم ب«الفلاش باك» كأساس لفكرة كتاب الأعمال والحساب واسترجاع الحسنات القليلة والسيئات اللانهائية. ربما في سياق تنفيذي آخر لو قدمت شخصيات الأبطال الست بممثلين مختلفين في مرحلة الكهولة وقدمت بممثلين شباب في مرحلة الثمانينيات وما بعدها لأصبح الخلط والتشوش أقل تأثيرًا، ولكن راهن صناع العمل على أن جمهور المسلسل سيبذل جهدا ذهنيًا ونفسيًا في تتبع الأحداث عبر الماضي المتحرك خلال ربع قرن والحاضر الثابت نسبيًا. ومن هنا يمكن أن نجزم أيضًا أن نيران صديقة عمل فلسفي يحمل أبعاد فكرية وانسانية واضحة تتجاوز بكثير فكرة القراءة السياسية للواقع الاجتماعي المصري خلال أكثر من ربع قرن اعتمادًا على مبدأ الهجوم في عهد مبارك بعد ثورة 25 يناير، وعلى حد علمنا فقد شرع الكاتب في العمل قبل قيام الثورة بشهور.. صحيح أن الثورة قد تكون منحته مساحة حرية أكبر مما كان يتصورها وخاصة فيما يتعلق بشخصيات ضابط أمن الدولة «سليم عثمان»، أو الشخصية التي قيل أنها تمثل علاء مبارك في علاقته بالفنانات، ولكن فكرة الهجوم على العصر فيها الكثير من الإجحاف لحق العمل في قراءة تتجاوز الواقع السياسي والاجتماعي الضيق إلى الإنساني والفلسفي الواسع، ثم أن الكاتب لم يأت بشخصيات حقيقية في مواقف تاريخية محددة وصاغ منها عمله أو جعلها تلتحم مع شخصياته بل أنه اكتفى في كل عام تقريبا بحادثة شهيرة تفيد اعطاء المتفرج خلفية زمنية للاحداث في بعض الأحيان أو استغلها في التعبير الرمزي عن بعض الانفعالات والمشاعر، مثل مشهد مصارحة «نهال» ل«مدحت» أنها حامل في لحظة الزلزال دلالة على زلزلة كيانه بالخبر، أو مثل وفاة «جورجيت» في حادث الأقصر وإصابة «رأفت» وهكذا. إن العمل في واحدة من مستوياته يعتبر فانتازيا تاريخية، أي انه يصوغ أحداث غير حقيقية بشخصيات مؤلفة على خلفية من الأحداث الحقيقة والواقعية استغلالًا لتلك الوقائع ورسمًا للبيئة الزمنية وتفجيرًا للأحداث الخيالية، ومن هنا لا يمكن اتهامه بأنه نوع من النميمة السياسية أو الاجتماعية كما اتهمت من قبله رواية عمارة يعقوبيان، فالجمهور السطحي هو من يبحث عن الخلفية الواقعية للشخصية ظنًا منه أن الكاتب يقصد تشهير فلان أو علان من الشخصيات العامة، ولكن المتلقي الواعي يدرك أن الكاتب الجيد هو من يستخلص من النماذج الواقعية والاجتماعية ما يفيد بناء شخصياته وتطورها وطبيعة أفكارها وطموحاتها وما تحققه عبر الأحداث. نور توفيق ليست شريهان، و«طارق» ليس «الشيخ كشك» أو عمرو خالد، وعلمنا الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة في جل أعماله، أن الواقع الدرامي شئ والواقع الاجتماعي المعاش شئ آخر والشخصية أو الحدث داخل الدراما لا تعبر سوى عن افكار الكاتب وموضوعه وهدفه، وحين تتحول إلى نقل مباشر أو تشهير بالأحرف الأولى فأنها تنتقل من نصاعة الفن إلى صفرة الفضائحية، وهو ما لا نجده في «نيران صديقة» بل على العكس استطاع الكاتب أن يستغل العديد من النماذج الحقيقية في صياغة شخصيات من لحم ودم لها تاريخها الخاص وواقعها المختلف ومستقبلها الغامض وأسرارها المشينة كي يدعم فكرة الحساب الدنيوي وصحف الأعمال المنشورة. على مستوى الصورة يمكن أن نؤكد على أن توظيف خالد مرعي لعناصر الضوء والظلال جاء معبرًا جدًا عن حالة الأسرار التي تتكشف تدريجيا عبر الأحداث، خاصة في الحلقات الأولى حيث بدا كل شئ غامض حول شخصياته, كما أنه بحكم كونه مونتير سابق استطاع أن يضبط ايقاع الكليبات الانتقالية ما بين الماضي والحاضر لتبدو أقرب للفلاشات المبهرة أو «الشعلات» التي تهب فجأة في وجه المتفرج منبهة إياه أنه ينتقل زمنيًا، ولا ننسى أن الكاتب قام بعنونة حلقاته تحت مسمى «الشعلة» على اعتبار أن الاحداث «نيران». يبقى أن نشير إلى بعض الملاحظات التي يمكن اعتبارها من مآخذ التجربة الأولى، منها أن الكاتب يبدو متأثرا إلى حد ما بأفلام الإثارة الأمريكية من نوعية «انا أعلم ماذا فعلت الصيف الماضي» و«اللغز» خاصة على مستوى التهديدات التي تصل للأصدقاء الست، فالمتابع للسينما الأمريكية من السهل أن يشعر أن فكرة السيديهات والشخصية الظلية والصوت الثقيل الغامض كلها عناصر استهلكت في هذا النوع من الأفلام، ورغم أنه استقدم عنصر تراثي شرقي يتمثل في الكتاب الذي يسجل أفعالهم بعد ان اتخذوا عهدًا بقطرات من دمهم عليه إلا أنه تعامل من منطلق غربي مع فكرة التهديدات وأسلوبها، وربما كان عليه أن يبذل جهدًا مضاعفًا ليصيغ أسلوب مختلف أو طازج في مسألة التهديد بالكشف والحساب. كما أن الكاتب بالغ قليلًا في مسألة العناصر الفوق واقعية أو الميتافيزيقية عندما جعل شخصية «نهال» لديها ما يشبه الحاسة السادسة، لأننا لسنا أمام عمل فانتازي صرف أو ميتافيزيقي بحت، بل هو عمل يتخذ من الميتافيزيقا أو الفانتازيا مجرد إطار نوعي له, ووجود شخصية بصفة شبه خارقة مثل «نهال» دون بقية الأصدقاء جعل بعض الأحداث تبدو مفتعلة أو مبالغ في فانتازيتها بشكل يضر بالمضمون الفكري للعمل, خاصة أن الكاتب اعتمد على حاستها السادسة في تصريف الكثير من الأحداث وتطويرها وبنى عليها الكثير من القرارات والأفعال، فبدت كشخصية شاذة عن النمط الواقعي لبقية الشخصيات, والسؤال هو: هل كان الأمر استسهال من الكاتب ليجد وسيلة مساعدة في صياغة حبكته عبر تلك الصفة الخارقة؟ ومع افتراض إن كانت نهال شخصية عادية مثل بقية الشخصيات هل كان سيجد صعوبة في صياغة المواقف والأحداث دون الحاجة إلى حاسة نهال السادسة والتي تجاوزت الحدس إلى الرؤيا المستقبلية أو الكشف عن نوايا وضمائر من حولها مثل معرفتها بالحوار الذي دار بين الطبيب المترجم وبين «مدحت»؟، ثم هل هي حاسة سادسة تتبصر القادم أم هي قدرة على
قراءة الأفكار والضمائر؟ فهي تارة ترى الماضي وتارة تحدس بالمستقبل وترى تشاهد الحاضر رؤى عين كأنها في نفس المكان مثلما رأت ما يحدث ل«سمرة» بينما كانت تجلس مع «نور» و«سليم». أما كان من المنطقي بحكم واقعية الشخصيات وقصصها أن تصبح «نهال» مثلهم مع الاحتفاظ بكونها فنانة ذات حس أرقى ومستوى ثقافي أعلى يجعلها نافذة البصيرة ومتفتحة الوعي وليست متبصرة أقرب للعرافات. ثم هل لاحظتم أن المشاهد الخارجية قليلة جدًا في العمل وأن المئات من المشاهد تدور في الحجرات المغلقة والشقق من خلال أسلوب واحد تقريبًا وهو أن تذهب هذه الشخصية لتلك أو العكس في منزلها، إن كل الشخصيات تقريبا تتزاور وتذهب إلى بيوت بعضها وشققهم بشكل متكرر لدرجة ملفتة وغير فنية، بل أن الكاتب يستخدم تكنيك الصدفة في مرات كثيرة اعتمادًا على فكرة الزيارات المنزلية الكثيرة فنجد أحد الأصدقاء يذهب لآخر فيلتقي هناك بصديق ثالث أو يسمع حوارهما من داخل أحد الغرف أو أثناء خروجه من الحمام أو يحضر صدام بينهما. ألم يكن الأصدقاء يلتقون خلال سنوات الثمانينيات والتسعينيات في أماكن خارجية باستثناء الكافيتيريا البائسة التي كان «طارق» يصر على أن يلتقي فيها «أميرة»، ألم تكن هناك مقاهي أو فنادق أو حتى الكورنيش؟ لا ندري إن كان ذلك الأسلوب من الدواعي الانتاجية أم هو قلة جهد من الكاتب أو تصور خاص عن طبيعة العلاقات بين شخصياته، لكن تكراره المستمر لدرجة أن يصبح هو الوسيلة الأساسية للقاء الشخصيات ببعضها سواء استلزم الأمر لقاء سري أو لا لم يكن في صالح الأيقاع العام والمزاج البصري والمكاني للعمل أو حتى في صالح المنطق الدرامي وقوة الحكي وأسلوبه. تبقى إشارة أخيرة إلى فكرة تلخيص موضوع كل حلقة عبر عنوانها والجمل التي نسمعها بصوت «أمجد» في بداية كل شعلة بدءًا من الثلث الثاني للمسلسل، يبدو «أمجد» هنا متحدثًا بلسان المؤلف نفسه وليس بلسان حال الشخصية، وكأنه هو من يطلق على كل شعلة عنوانها، وهو أمر غير مقبول نسبيًا سواء في سياق السرد أو البناء، خاصة أن «أمجد» يقوم بتحليل نفسي أو روحي للشخصيات عبر تيمة كل شعلة المختصرة في عنوانها أو يذكرنا بما رأيناه بالفعل في الشعلات السابقة وهو أمر كان المونتاج كفيلًا به، كما أن العنوان كافي ليمهد لنا طبيعة كل حلقة وتيمتها الوجدانية، إنها رغبة المؤلفين عادة في أعمالهم الأولى لتوضيح كل شئ والتركيز على كل عنصر بما يشبه تلقين المتفرج أو منحه مفتاح سهل لشفرة العمل رغم أن المفتاح غالبًا ما يوجد داخل تفاصيل كل حلقة.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.