أحدث الحياة بتحدياتها ومشكلاتها تنعكس علي الجوانب المختلفة لشخصية المتعلم, مما يجعل من الضروري البحث عن الطرق التي يمكن من خلالها مساعدة المتعلم علي الصمود أمام تلك التحديات والمشكلات, والتي تؤثر علي مستواه عامة والمعلم بصفة خاصة, فهو يتأثر مثل غيره بالتحديات التي تواجهه وتكمن خطورة الموقف في انتقال هذا الأثر إلي تلاميذه, سواء كان أثرا إيجابيا أو سلبيا. إنه وفي ظل مجريات العصر وأحداثه المتلاحقة والتي يغلب عليها الطابع غير السوي اجتماعيا وفكريا, تبرز أهمية التفكير الإيجابي, ذلك التفكير الذي يخرج المتعلم من حالة التوتر والقلق ويدعوه إلي التفاؤل ليصل به إلي حالة الهدوء والسكينة مع النفس, إذ يصبح ضرورة ملحة في الأوقات العصيبة الحالية التي يمر بها مجتمعنا, حيث يساعد علي التفاؤل والأمل ورؤية الأمور من منظور إيجابي لا تخفي قيمته باعتباره سندا ضروريا يعين المتعلم في مواصلة مسيرة حياته, ومواجهة التحديات العصرية والمجتمعية, وترتبط الإيجابية بالعديد من الدلالات والمعاني التي تعكس القوة الإنسانية والكفاءة الذاتية للمتعلم والصحة النفسية وحسن الحال في الحياة. فهي مكون متعدد العناصر والأبعاد تحمل في ثناياها ميزات وخصائص نفسية وفكرية تدل علي إيجابية المتعلم, مما جعلها بمنزلة الطاقة التي تبعث في النفس الشعور بالأمل والحيوية والنشاط وتدفعه إلي المبادرة والبذل والعطاء والطموح واغتنام الفرص واستثمار الواقع. إن التعليم الذي محوره التفكير الإيجابي يقوم علي فكرة أساسية مؤداها أن العقل هو المصدر أو الأساس للحقيقة, وكل الأفكار الموجودة تعد نتيجة لهذه الحقيقة. وهناك ما يدلل علي ذلك في أقوال بعض الفلاسفة والمفكرين, يقول سقراط: تحدث حتي آراك, ويقول أرسطو: كل أزهار الغد موجودة في بذور اليوم, وكل نتائج الغد موجودة في أفكار اليوم, ويقول ديكارت: أنا أفكر إذن أنا موجود, نحن نسير بأقدامنا ونعمل بأيدينا ونتحدث بعقولنا, يجب أن تري في ذهنك الشيء الذي تريد أن تحققه قبل أن تراه في الواقع, فالتفكير الإيجابي لا ينفصل علي تلك المعتقدات والأفكار التي يشكلها المتعلم عن ذاته, وعن قدراته علي التصرف والتحمل أمام الظروف المحيطة به سواء كانت جيدة أو سيئة. إن التفكير الإيجابي ليس واحدا عند كل المتعلمين, فهم ليسوا سواسية في القدرة عليه, فحظ المتعلم فيه متفاوت, ولعل في استرجاع ما يردده البعض أثناء سلوكياتهم ما يدلل ويبرهن علي صحة ذلك, فكثيرا ما نسمع من يردد عند عجزه أو فشله في الوصول إلي هدف معين بعض الكلمات والعبارات السلبية مثل: أنا فاشل, أو قدراتي محدودة, وكثيرا ما نري من بعض طلابنا من ينسب عدم نجاحه في الامتحان بقوله: إن الامتحان جاء صعبا, أو أنه ذو حظ سيئ دائما, وكثيرا أيضا ما نسمع من يردد قوله: إن ظروف الحياة أقوي منه لدرجة أنه يعجز ولا يستطيع مواجهتها. إن التعليم القائم علي التفكير الإيجابي ليس معناه الإفراط في التفاؤل أو تزيين الواقع بالوهم, وزخرفته بالخيال, بل إنه مدخل يركز علي أفكار ومعتقدات المتعلم حول قدرته وإيجابيته في مواجهة الصعاب, وعند مواجهة المتعلم لمواقف سيئة أو تعرضه لمواقف مؤذية من قبل الآخرين, فإنه لا يصدر حكمه بالتعميم بأن كل الناس مؤذية أو أن ذلك نهاية العالم, بل ينظر ويقيم الأمور علي حقيقتها وبطرق متزنة, ويبحث عن طرق لتحسينها ويحاول التعلم من تجاربه, وإذا كان التفكير الإيجابي مطلبا ضروريا للمتعلمين بصفة عامة, فهو أكثر ضرورة للمعلم الذي يتفاعل مع التلاميذ يوميا وتنعكس أفكاره ووجهات نظره في تدريسه ومعاملاته لهم, فإن افتقد القدرة علي النظر والتفكير بصورة إيجابية فكيف سيكون الحال بالنسبة لتلاميذه؟ فمن المرجح أن تنتقل إليهم عدوي التفكير السلبي مما ينعكس علي تعلمهم وسلوكياتهم بالسلب, وعلي العكس إذا مارس المعلم التفكير الإيجابي في تدريسه ومعاملاته مع الطلاب فسيتحلي بالعديد من الصفات الإيجابية التي يجب توافرها في المعلم: مثل: حب المساعدة وسماحة النفس وخفض الصراع بين التلاميذ وتحمل المسئولية, وجميعها صفات يكون المعلم أحوج ما يكون إليها للتعامل مع تلاميذه. فالتفكير الإيجابي يمثل قوة دافعة إذا أحسن استخدامه يتحقق العديد من الأهداف التعليمية والحياتية. إن المناهج الدراسية لها دور كبير ومهم في تنمية تطوير التفكير ومهاراته لدي الطلاب, إذ يتم عن طريقها تعليم الطلاب التنظيم والتسلسل في تفكيرهم, وتطبيق هذه المهارات داخل وخارج المؤسسة التعليمية, وأنه من الواجب أن يتعلم الأطفال والشباب ويتدربوا علي آلية التفكير الإيجابية ومهاراته حتي يتسني لهم إتقان هذا النمط من التفكير الفعال والمنظم الذي يوصل صاحبه إلي الحياة المنتجة. أستاذ المناهج بكلية التربية جامعة عين شمس