تؤكد الشريعة الإسلامية كل يوم أنها جاءت لمصلحة الإنسانية والارتقاء بالبشر لتحقيق الهدف الذي خلقوا من أجله, وهو عبادة الله وإعمار الأرض. ولتحقيق الأعمار جوانب كثيرة لابد من توافرها حتي تبني الأمم وتنشأ الدول, وأبرز تلك الجوانب هو الجانب الاقتصادي, والذي يشمل الزكاة والصدقات وأعمال التطوع لينهض المجتمع بكل فئاته, غنيهم وفقيرهم, ويحدث نوعا من المساواة والتوازن حتي لا يكون هناك مجال للحقد علي أموال الأغنياء, وحتي لا يكون هناك أفراد لا يعملون فكانت الوسيلة الوحيدة هي التكافل الاجتماعي بين أبناء المجتمع, وهو المبدأ الذي استخدمه الرسول صلي الله عليه وسلم في بداية الدولة الإسلامية بعد الهجرة ومؤاخاته صلي الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار. حول معني التكافل في الإسلام وكيف استخدمه الرسول في القضاء علي كثير من المشكلات ولا سيما الفقر كان هذا التحقيق في البداية يوضح الشيخ محمد فايد إمام وخطيب بأوقاف الإسكندرية أن التكافل الاجتماعي في الإسلام يعني مشاركة المسلم في حمل هموم الآخر مشاركة حقيقية باعتبار أن التكافل هو التكفل والحمل والضمان وضم ذمة إلي ذمة لقوله صلي الله عليه وسلم مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتواصلهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر أعضاء الجسد بالسهر والحمي فهذا الحديث يشير إلي امتزاج أعضاء الأمة امتزاجا جعلهم كالجسد الواحد متحد في الآمال والآلام. ولقد طبق النبي صلي الله عليه وسلم التكافل في أجمل صوره انطلاقا من الآية الكريمة إنما المؤمنون أخوة فترجم هذا المفهوم علي أرض الواقع حينما آخي بين المهاجرين والأنصار فكفل بعضهم بعضا, ورفع النبي صلي الله عليه وسلم شأن التكافل حينما مدح الأشعرين من قبيلة أبي موسي الأشعري, وهم من بلاد اليمن في قوله إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قل طعام عيالهم في المدينة جمعوا ما عندهم من طعام ثم اقتسموه بينهم بالسوية متي وأنا فهم منهم, ولم يقتصر الأمر علي ذلك بل حث النبي صلي الله عليه وسلم علي قيم جليلة كقيمة الإحسان إلي الجار ماديا ومعنويا وقيمة صلة الأرحام وإكرام الضيف وكفالة اليتيم وإرشاد الضال وإعانة المحتاج وغير هذه القيم أكد عليها الإسلام لبيان مفهوم التكافل في الإسلام. كما حث صلوات الله عليه وسلامه علي العمل والكسب الحلال في قوله صلي الله عليه وسلم المؤمن القوي خير وأحب إلي الله من المؤمن الضعيف وقوله أيضا اليد العليا خير من اليد السفلي وحرم صلي الله عليه وسلم المسألة من غير حاجة, وأكد أن المتسول من غير فاقة أو عوز يأتي يوم القيامة وليس في وجهه قطعة لحم ونبه النبي العظيم المتصدقين الباذلين ألا يدفعوا صدقاتهم لقوي قادر علي العمل مع توافر فرص العمل ولا يعمل لقوله إن الصدقة لا تحل لغني ولا ذي مرة قوي وذي المرة هو القادر علي العمل ولا يعمل. أما عن المردود الإيجابي للتكافل علي الفرد والجماعة فيقول الشيخ محمد فايد انه يشعر المسلم أو المواطن الذي يعيش في المجتمع المسلم أنه لا يعيش في جزيرة منعزلة بل هو مع غيره في سفينة إن زلت قدمه أو مرض بدنه أو ضعفت قوته وجد ألف يد تمتد إليه للأخذ به إلي النجاة, وهذا يؤدي إلي توطيد العلاقات وتقوية عري الثقة والمودة بين أبناء المجتمع كما أن التكافل الاجتماعي يحقق الأمن القومي لأن الفقر وعدم التغلب عليه يفرز عناصر قد تكون عيونا للمتربصين بالأمة للإضرار بها ودمارها كما أن التكافل مظهر من مظاهر رقة القلب حينما يبحث الغني عن الفقير ليدفع له حقه عن طيب خاطر وسمو أخلاق. ويقول الدكتور حسني أبو حبيب مدير الإرشاد الديني بوزارة الأوقاف سابقا لن تنتهي أبدا ولن تقوم دولة إلا إذا كان التكافل بين أفرادها, يعطف الغني علي الفقير والقوي علي الضعيف ويكونوا كالجسد الواحد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد فرسول الله صلي الله عليه وسلم أرد أن يعلمنا مبدأ التكافل الذي تتقدم به الأمم من أول خطوات فبمجرد أن وطأت قدماه المدينةالمنورة وعندما نظر للمسلمين, وهو يؤسس للدولة الإسلامية وجدهم عبارة عن فريقين أحدهما يملك كل شيء الأرض والزرع والمال وهم الأنصار وفريق لا يملك أي شيء إلا عقيدته وعزيمته جاءوا للمدينة تاركين الوطن والأرض والمال والزروع والثمار خلفهم من أجل الحفاظ علي عقيدتهم, فالرسول أراد أن يقضي علي هذه الهوة العميقة والفرق الشاسع بين الفريقين فآخي بينهما وكانت المؤاخاة بين المهاجرين و الأنصار وهو أكبر تكافل حدث بين الطبقات علي مر التاريخ بحيث سار علي أساسه الأنصار وضربوا مثلا رائعا في الإيثار. ويشير د. أبو حبيب إلي أن التكافل الاجتماعي يؤدي إلي إشاعة ثقافة الحب والود بين المجتمع بحيث لا يمكن أن يكون في ظل هذا المبدأ الإسلامي حاقد أو حاسد فالناس يعيشون متحابين لا يشعر فقير بحقد تجاه غني لانه يري من سخاء الغني ما يمنعه من ذلك, كما أن بناء نهضة أي أمة في ظل التكافل الاجتماعي يقضي علي البطالة, فربما صاحب مال لا تكون عنده الخبرة في تنميته واستثماره فيشارك بماله فقيرا لديه القدرة علي الاستثمار والتنمية فيتحقق النماء وبهذا التعاون تبني الأمة وتنهض الدولة. ويؤكد أبو حبيب أن تطبيق التكافل يحتاج أولا نشر هذه الثقافة وإزالة الحقد من النفوس وتغيير مناهج التعليم بما يشتمل علي الأخلاق القيمة التي غابت عن مجتمعاتنا وترتب علي غيابها الكثير من المضار التي يعاني منها المجتمع الآن. ومن جانبه يوضح الدكتور أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر الأسبق, وعضو هيئة كبار العلماء أن التكافل الاجتماعي شرعه الإسلام في كثير من النظم الإسلامية التي تتمثل في الزكاة والكفارات ككفارة اليمين وصدقات التطوع وإكرام الغريب والضيف, ومساعدة المحتاجين وهذا يعني أن التكافل في الإسلام متنوع ما بين الغرض والواجب كالزكاة والتطوع والسنن والنوافل, ومن أهم ظواهر التكافل مشروعية نظام الوقف في الإسلام كأن يوقف المسلم أرضا أو مالا علي عمل من أعمال الخير كالمساجد أو دور العلم أو المصحات أو غير ذلك من أبواب الخير للمجتمع, وميزة هذا الوقف أنه مستمر حتي بعد وفاة صاحبه لقول الرسول صلي الله عليه وسلم إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له والمتأمل يلاحظ أن التكافل جاء فرضا وركنا في الإسلام, وجزء منه نافلة وتطوعا كالصدقات والتعاون مع سائر المحتاجين ومنها جزء مستمر بعد الموت كالوقف ولا يقتصر التكافل علي الجوانب المادية والفنية بل يشتمل علي قضاء حوائج الناس وحسن معاملتهم إلي غير ذلك من الأمور المعنوية التي توضح تعاون أبناء المجتمع فيما بينهم حتي يكونوا أخوة متحابين لقوله تعالي وتعاونوا علي البر والتقوي ولا تعاونوا علي الإثم والعدوان.