هذا سؤال قد يبدو صادما بعض الشيء؟ لكن واقع الحال يقول إن الكثير من الشروط العامة التي توافرت سابقا لاشتعال الحرب العالمية الأولي والثانية متوافرة الآن, ولعل أهم هذه الشروط تأجيجا للصراع تأتي من تفشي حالة الكساد الاقتصادي علي مستوي العالم, وانتشار النزاع بين الدول الكبري علي مناطق النفوذ والموارد, ناهيك عن النزعات العرقية ونعرات التفوق العسكري والعلمي, ولا يحتاج الفتيل إلا مستصغر الشرر لكي تنشب. وفي هذا السياق أيضا, هناك سؤال آخر يطرح نفسه هنا: وهو لماذا لا يمنع تزايد الوعي العالمي بمخاطر تلك الحروب, من تجنب اشتعال هذه الحرب الجديدة التي اختلفت أدواتها وأصبحت أكثر قدرة علي التدمير, وربما تؤدي في حالة نشوبها إلي تدمير كوكب الأرض بأكمله؟ الإجابة ستكون بلا قطعا... فالغرب وفي القلب منه الولاياتالمتحدة مازال لديه شعور بهذه النزعة ترجم في عدة أدبيات. لعل من أشهر هذه الأدبيات علي الإطلاق ما يعرف بعقيدة وولفويتز التي وضعها وزير الدفاع الأمريكي بول وولفيتز ونائبه سكوتر ليبي وسربته النيويورك تايمز في1992/3/7, والتي تقول إن السياسة الأمريكية عليها أن تقضي علي أية تهديدات محتملة بل ومنع أي أمة أخري من الوصول إلي مستوي الدولة العظمي وقد تجلي بعضها في الحرب علي الإرهاب أو عقيدة بوش والتي كانت تدعو إلي أن يكون القرن الحادي والعشرين قرنا أمريكيا خالصا. إذن فإن الحرب علي الإرهاب التي قادتها الولاياتالمتحدة أشعلت حروبا إقليمية في كل من أفغانستان والعراق وسوريا واليمن وليبيا ولم تنجو منها إلا مصر مؤقتا, هذه الحروب الإقليمية كانت يمكن أن تشعل حربا عالمية ثالثة بسبب تداخل الملفات الدولية فيها وربما ما حدث في مصر كان السبب في إعاقة مثل هذه الحرب. كما أن روسيا بدورها قرأت إستراتيجية الولاياتالمتحدة في الحرب علي الإرهاب علي أنها خطة لإشعال حرب عالمية جديدة حيث تناولت صحيفة البرافدا الروسية في18-10-2012 هذه الفكرة حيث ذكرت علي لسان يفجيني فيدوروف عضو الدوما الروسي أن الولاياتالمتحدة تمهد الأرض لتلك الحرب من خلال تجميع الصراعات المحلية معا وفي وقت واحد بحجة الحرب علي الإرهاب وهي في الواقع تغذي التطرف والإرهاب لإثارة عدم الاستقرار واستمراره في العالم لتنشيط آلتها الصناعية والعسكرية مجددا. أما الجزء الثاني من الخطة فيعتمد علي تضخيم تلك الصراعات إلي اضطرابات كبري بما يؤدي إلي حرب عالمية من خلال توحيد الصراعات المحلية في نظام واحد يؤدي لعدم الاستقرار وهذا يحتاج إلي زيادة تمويل الإرهاب صديقا أو غير صديقا- في العالم حسب رأي عضو الدوما. الرجل دلل علي صحة نظريته بموقف واشنطن من اليونان ومصر, فاليونان ليست عدوا لها ومع ذلك خفض الأمريكيون تصنيف أثينا الاقتصادي وأشعلوا أزمة أوروبية عرفت بأزمة اليورو. ومصر كذلك ليست عدوا لأمريكا, إلا أن التمويل الضخم الذي أنفقته واشنطن بها, جعلت أكثر الجماعات تطرفا تعتلي سدة الحكم في مصر بل وتجري محاولات لإعدام مبارك صديقهم المقرب. الصحيفة قالت إنه لتنفيذ الفكرة الأمريكية, تحتاج واشنطن لرفع درجة التطرف والتوتر في العالم وأنها مستمرة في هذه الخطة, وفي الواقع فإن استمرار نمو التطرف يعد بلا شك جزء من خطة الأمريكيين لإشعال حرب عالمية ثالثة جديدة يحتاجونها لاستمرار عجلة هيمنتهم العالمية. لكن هل هذه الحرب سهل إشعالها؟ بالرجوع إلي سيناريو الحرب العالمية الثانية نجدها أنها لم تنفجر فجأة بل تسللت في الوعي العالمي حتي أعلنت رسميا, لذا هناك عوامل كثيرة تتجمع لتؤدي لذلك. ولنتصور مثلا أن أحد عشرات البؤر الملتهبة علي مستوي العالم قد خرجت عن نطاقها بعمل غير محسوب, فقد تصبح هذه الحرب واقعا لا مفر منه. خذ مثلا التدخل الروسي غير المتوقع من الغرب في شبه جزيرة القرم الذي اعتبره الغرب غزوا صريحا لأوكرانيا واعتبرته الأخيرة إعلان حرب, جعلت المناورات والطلعات الجوية بين الطرفين تزيد إلي معدلات غير مسبوقة منذ انتهاء الحرب الباردة. ورغم أن الغرب تغاضي عما فعله بوتين في2008 حيث دخل في حرب لمدة5 أيام قصف فيها العاصمة الجورجية نفسها وعندما لم يتحرك الغرب أعلن بوتين أن جورجيا عوقبت بما فيه الكفاية حسب جريدة سبوتنيك نيوز الروسية في2008/8/12, ولم ينتبه الغرب إلي وصف بوتين لانهيار الاتحاد السوفيتي بقوله إن ذلك أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين. مع ذلك فروسيا ليست الدولة الوحيدة التي قد تنشب معها حرب عالمية ثالثة, خذ مثلا الصراع حول جزيرة سينكاكو بين اليابانوالصين حيث السيطرة علي الخطوط الملاحية ومياه الصيد وحقل البترول المحتمل تماما وقد وصلا إلي حد التهديد بإسقاط الطائرات المارة في هذه المنطقة. ثم أليس في إعادة تأكيد أوباما في قمة العشرين علي زيادة التواجد الأمريكي في المحيط الهادئ- علما بأن50% من القوة البحرية الأمريكية متواجدة بالفعل- تخوفا من تحالف جديد مناهض للغرب بين روسياوالصين. والغريب أن الفترة الحالية قد شهدت تحالفات غير عادية, إذ نكتشف أن الصين قد وقعت مع أوكرانيا في ديسمبر2013 اتفاقية أمان نووي, فلماذا توقع الصين مثل هذه الاتفاقية مع دولة تبعد عنها5800 كيلو متر, لكنها وقعتها مع الرئيس يانوكوفيتش المؤيد للتحالف مع روسيا وقد تصور البعض أن تلك الاتفاقية كانت لجذب الغرب للتدخل في أوكرانيا فتضمن روسيا تحالف الصين معها, ثم زاد الروس بتوقيع اتفاقيات غاز مع الصين بإجمالي70 مليار دولار دفعة واحدة. وحتي إيران لا يمكن إغفالها في الصورة ففي صراعها مع الغرب لرفع العقوبات وإقرار برنامجها النووي فقد يتكرر ما حدث في يناير2014 من توجيه إيران لسفنها الحربية في المياه الإقليمية الأمريكية والذي تمت التعمية عليه, ناهيك عن التوترات التي تثيرها في المنطقة مع دول الخليج التي تزود الغرب والعالم بموارده البترولية. أضف إلي ذلك أن كوريا الشمالية ما يزال التعامل معها لغزا, ولا زالت تستمر في إطلاق صواريخها تجاه كوريا الجنوبية حليفة الولاياتالمتحدة دون سبب وجيه. والأخطر من كل هذه البؤر الملتهبة هو الكساد الاقتصادي, فبعد أزمة2008 المالية وأزمة اليورو التالية لها في أوروبا, ما زال الوضع الاقتصادي مخيف عالميا, فنجد أن روسياوإيران يحاولان دعما أنفسهما اقتصاديا من خلال بناء سلسلة محطات نووية إيرانية جديدة, في تحد واضح للغرب, لكن الأهم في هذا الجانب هو العلاقة بين الصينوالولاياتالمتحدة التي وصل دينها إلي17 تريليون دولار, منه7% دينا للصين, أو حوالي1.19 تريليون دولار, الصين التي أصبحت ثاني اقتصاد عالميا وقد تتوازي مع الولاياتالمتحدة في خلال أقل من8 سنوات, فإنها قد تتخذ قرار قد يشعل حربا عالمية ثالثة, وهو تفريغ الدين, فإذا ما حدث نزاع بينهما في بحر الصين الجنوبي, فقد تلغي الولاياتالمتحدة دينها وتبدأ أصوات المدافع في الهدير.