في منطق السياسة ليس هناك غرائب, فلا عداوة دائمة طالما استجدت مصالح ومعها لا بد وأن تتغير التحالفات بل وإعادة النظر فيما كان مستحيلا حتي وقت قريب, وها هو الأممي عبد الله أوجلان زعيم منظمة حزب العمال الكردستاني الانفصالية المؤمن بالاشتراكية العلمية كما صاغها كارل ماركس قبل مائة وخمسين عاما, يدعو من محبسه بجزيرة إمرالي ببحر مرمرة باسطنبول الرفاق بصلح تاريخي مع فتح الله جولين شيخ الطرق النورسية والذي يعيش في منفاه الاختياري بالولايات المتحدةالأمريكية, وبطبيعة الحال مع مجموعته من النورسيين, لكن هؤلاء هل سيقبلون الصلح والجلوس معا علي طاولة واحدة ؟ سنوات دامية شهدتها مدن جنوب شرق الاناضول لم تكن فقط نتيجة المواجهات المسلحة بين الجيش التركي والارهابيين الانفصاليين وإنما في عمليات العصابات ضد أتباع جولين والتي شملت حرق المدارس التي يمتلكها رجل النورسي الشهير إضافة إلي القتل وخطف العديد من ائمة وخطباء الجوامع ورجال الدين والمعلمين المقربين لحركة الشيخ فتح الله جولين وكان اوجلان في الزمن البعيد نسبيا يصف الطريقة النورسية بأنها حركة اسلامية رجعية يستخدمها الساسة في أنقرة لإعطاء مشروعية للقوات المسلحة التركية في وأد المنظمة وعناصرها. كان هذا في الأمس أما اليوم فالأمر جد مختلف ففي يوم الاثنين الماضي وخلال اللقاء الدوري مع محاميه, وجه اوجلان نداء إلي كافة اعضاء المنظمة وحزب السلام الديمقراطي الغطاء السياسي لمنظمته بضرورة التقارب مع مجموعة الشيخ فتح الله جولين مؤكدا في رسالته' نحن لم ننكر وجود حركة جولين, كما أن الأخيرة لم تنكر وجودنا ايضا' معللا السبب بقوله' لاننا واعضاء مجموعة الشيخ فتح الله جولين من القوي الفعالة والمهمة ليس في تركيا فحسب بل ومنطقة الشرق الاوسط' مع هذه القواسم المشتركة مضت الرسالة تقول أنه' من الممكن مشاركة فعاليات الشيخ فتح الله جولين ومجموعتنا في تحقيق الديمقراطية بكل من الأناضول وبلدان الجوار والشرق الاوسط, مشيرا الي ان كلا الطرفين يمتلك القوة الكبيرة لتحقيق تلك الأماني' ولم يكتف اوجلان بتلك العبارات العاطفية وأنما راح يبرئ ذمته للتاريخ وللوطن قائلا' ان جولين الموصوف من قبل النخبة العلمانية بالرجل الرجعي ليس طائفيا كما أنه يتزعم مجموعة هي أقرب إلي منظمة غير حكومية تفعل الخير لأبناء تركيا جميعا, ومن ثم فلديها من الإمكانات التي تؤهلها كي تلعب دورا مهما في الحياة التركية وبالتالي فهي مثل منظمتنا التي تمتلك نفس الحيوية لذا من الممكن التفاهم المتبادل والتضامن بين هاتين القوتين الديناميكيتين من أجل حل المشاكل والأزمات التي تمر بها البلاد. هنا انتهت رسالة أوجلان دون أن يطرح المغزي الذي جعله ينتهج هذا الموقف المغاير والدليل علي أن جمله أثارت الدهشة وعلامات الاستفهام ليس من قبل السياسيين الاتراك وإنما بين صفوف الاكراد ايضا في كل مدن الجنوب حيث يقطن غالبية الأكراد كذلك المقيمون في الخارج فضلا عن اكراد شمال العراق, ويؤكد المحللون أن اوجلان بدا علي قناعة بأن حركة الشيخ فتح الله جولين صارت هي المنافس لهم بدلا من حزب العدالة والتنمية الحاكم, وتأسيسا علي ذلك التقي محامي اوجلان مع ممثل للشيخ فتح الله جولين في مدينة' يالوفا' وسط غرب تركيا والهدف واضح ألا وهو ايجاد صيغة مشتركة للتوصل لحل الخلاف بينهما, ومن ثم العمل علي ايجاد طريق مشترك لحل المشكلة الكردية خاصة ان قياديي المنظمة الانفصالية باتوا مدركين إلي قوة وتأثير وفعالية وثقل مجموعة جولين بالاوساوط السياسية التركية وخاصة بصفوف حزب العدالة والقوميين وكذا اوساط الرأي العام التركي والكردي علي السواء.