الأخلاق هى المؤشر الحقيقى على رقى الأمم وتقدمها، والأمة التى تحيا بمنأى عن الأخلاق هى أمة ضعيفة، وقد حثت الأديان السماوية على السلوك النبيل واحترام الذات البشرية التى خلقها المولى سبحانه فى احسن تقويم. وربما يعتقد البعض أن القيم والمبادئ خاصة بالحياة الشخصية لكل إنسان، وانها أمور تنفع الإنسان بعد رحيله من الدنيا، وهذا ليس بصحيح لأن أكثر المسائل الاخلاقيّة لها أثرها فى واقع الحياة الاجتماعيّة للإنسان، سواء كانت مادية أم معنويّة، فمجتمع بشرى بلا أخلاق ينقلب إلى غابة، وتصبح مفاهيم كالأمن والأمان والحرية والعدل خاضعة للميول والأهواء، وما يحدث فى العالم الان من مفاسد وصراعات ومظالم، تدفع إليها الضغائن والأحقاد، أو المطامع، أو الرغبة فى الانتقام ما هو الا نتيجة حتمية ليس لتدنى الأخلاق فحسب بل لانعدامها. فى زماننا هذا انهارت أخلاقيات المجتمع، وباتت معروضة للبيع دون مقابل، فى خضم هائل من الانحلال والتسيب، وضاعت منظومة القيم هباء منثورا فى أجواء سيطرت عليها البلطجة والمادية والانانية، وأضحى الممسك على أخلاقه كالقابض على الجمر، فلا يستطيع رغم محاولاته - أن يغير من الأمر شيئا. إن تكلم اهانوه، وإن سكت استباحوه. انعدام الضميراصابنا بالخمول والتكاسل والقعود عن العمل والاتكال على الغير، وضياع الأوقات فيما لا فائدةَ منه، ابتلينا فى أخلاقنا وقيمنا، وضاعت سمات المصرى الحقيقى صاحب المروءة والشهامة وانكار الذات، أين الصادق، الأمين، القنوع، الراضى بما قسمه الله له، الصبور، المتحلى بكل صفات أولاد البلد؟، لقد باتت تسكن بداخلنا - الا ما رحم ريى - أمراض عضال لعل أبرزها الكذب والخيانة، والحسد وتمنى زوال النعمة عن الآخرين والكبر واحتقار الناس وانتقاصهم، والاستعلاء عليهم، والغيبة والنميمة، والفحش فى الكلام، والبذاءة فى القول، والمزاح الرخيص المصحوب بكلام خارج، والسباب والشتم، واللعن وغيرها من منكرات الأقوال والأفعال متناسين أن النبى صلى الله عليه وسلم يقول: وهل يكب الناس فى النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم) الأخلاق هى عنوان الشعوب ولها دور كبير فى تغيير العادات السيئة، والسلوكيات القبيحة، حتى نتحلى من جديد بصفات الصدق والأمانة والحلم والأناة والشجاعة والمروءة والمودة والصبر والإحسان والتروى والاعتدال والكرم والإيثار والرفق والعدل والحياء والشكر وحفظ اللسان والعفة والوفاء والشورى والتواضع والعزة والستر والعفو والتعاون والرحمة والبر والقناعة والرضا، انها فى مجملها مكارم الاخلاق التى بعث بها ومن أجلها نبينا الكريم صلوات ربى وتسليماته عليه، وهو الصادق المصدوق القائل: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ، وهو القائل أيضا (أَقرَبِكُم مِنِّى مَجلِسًا يَومَ القِيامَة أَحَاسِنَكُم أَخلَاقًا،) أماأمير الشعراء أحمد شوقى فقال: انما الأمم الأخلاقُ ما بقيت. فإن همُو ذهبت أخلاقهمُ ذهبوا وقيل ايضا: وإذا أصيب القوم فى أخلاقهم. فأقم عليهم مأتماً وعويلا علينا فى هذه الأيام الطيبة ونحن نحتفل بعام هجرى جديد أن ننتهز الفرصة وننتهى عما نهى الله عنه، فقد قال النبى صلى الله عليه وسلم: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه ، وأن نضع المفاهيم فى مواضعها الصحيحة، وأن نعى جيدا أن عظماء هذه الأمة ومجدديها فى شتى المجالات لم يضعوا بصماتهم، ولم يكتبوا تاريخنا الا بتفهمهم الواضح، وادراكهم الكامل، وتحليهم بمعانى الأخلاق القويمة، وهجرة ما نهى الله عنه، فهل نحن فاعلون لنحذوا حذوهم؟ إن كان الأمر يحتاج منا لبعض الوقت لترويض النفس، فليس يصعب علينا أن ننشئ أولادنا ونربيهم على الأدب والأخلاق، ونزرع بداخلهم شتلات العمل والاخلاص، والإيثار، وإنكار الذات، واحترام الكبير، ولا ننسى أن نعلمهم فى المدارس أن تاريخ الأمم يقاس برقيها، وأن المبتدأ يرفع على المجد، و الخبر على الصدق، وان ندرس لهم كيفية جمع الخير، و طرح الشر، وان التفاضل بين الناس بالأخلاق و التكامل بالتعاون مع الآخر، وصيانته ورعايته، وحفظ حقه.